يفعله بعض الناس، كما يحسن للداعية أن يتعرف على المذاهب الأخرى وبخاصة التي يتبعها بعض من يدعوهم، فإن كان مالكيًّا وهو في بيئة حنبلية، أو حنبليًّا وهو في بيئة حنفية ومثل ذلك؛ فعليه أن يهتم بمعرف مذاهب الذين يدعوهم، وعليه أن يذكرهم بأن كل إمام من أئمة المذاهب قال: "إذا صح الحديث فهو مذهبي".
فلا يجوز للمسلم أن يتقلد مذهب ما فيجعله كالقرآن لا يخرج عنه قيد أُنملة، هذا لا يجوز أبدًا؛ بل على الداعية أن يدور مع الدليل حيث دار، وعلى العامي أن يتبع مفتيه فيما يفتيه به، كما ينبغي للداعية أن يقتضي بالقرآن والسنة في تعليل الأحكام، وبيان حكمها وثمراتها في الأنفس والحياة، وربطها بالفلسفة العامة للإسلام حتى تقع من الناس موقع القبول.
وعلى الداعية أن يحذر من المبالغة في تعليل العبادات بأمور دنيوية وربطها بها ربط العلة بالمعلول مع الغفلة عن حقيقة كبيرة يجب التنبيه عليها، وهي أن العبادات مطلوبة طلب الغايات والمقاصد لا طلب الأدوات والوسائل؛ فهي مرادة لذاتها بغض النظر عما وراءها من منافع وثمرات، بل هي الغاية من خلق المكلفين، كما قال رب العالمين: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56).
وعلى الداعية أيضًا أن يحذر الاقتصار على التعليل بالأمور المادية الحسية، وخصوصًا فيما يتعلق بالعبادات الشعائرية كالوضوء والصلاة والصيام والحج؛ فالوضوء في نظر بعض الذين يتحدثون عن الإسلام أو يكتبون عنه حكمته النظافة، والصلاة في نظرهم حكمتها الرياضة، والحج في نظرهم رحلة استكشافية كل هذا جهل وخلط ولبس ما ينبغي للداعية أن يسير وراء هؤلاء، فالله -تبارك وتعالى- قد ذكر في كتابه الكريم الحكم والتعليلات الروحانية القلبية لما فرضه من العبادات.