ولا ريب أن أهم علوم القرآن هو التفسير الذي يُعين على فهم المراد من كلام الله تعالى بقدر الطاقة البشرية، وقد دُوّن في تفسير القرآن مئات ومئات من الكتب منها ما فُقد ومنها ما لم يُفقد، وهذا الذي بقي منه ما طُبع ومنه ما يزال مخطوطًا، ولا يحسن للداعية أن يكتفي بكتاب واحد منها، ويهمل سائرها؛ فإن لكل منها مزية لا توجد غالبًا عند غيره، فالأولى أن ينهل الداعية منها كلها ما استطاع، وأن يقتبس من كل كتاب خير ما فيه، ولُبّ ما يتميز به، وأن يحترز مما فيه من أهواء أو شطحات.
وهذه وصايا للداعية وهو يطالع كتب التفسير:
الوصية الأولى: ضرورة الإعراض عن الحشو والفضول والاستطراد الذي انتفخت به بطون كتب التفسير من الاستغراق في المباحث اللفظية، أو المسائل النحوية، والنكات البلاغية، والتطويل في المجادلات الكلامية، والمخالفات الفقهية، وغير ذلك من ألوان الثقافات التي شغلت حيزًا ضخمًا من كتب التفسير، حتى حجبت قارئها عن إدراك أسرار كلام الله تعالى، وهو الذي أُلفت كتب التفسير من أجله مما جعل بعضهم يقول عن (التفسير الكبير) للرازي جمع في كتابه في التفسير أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير، ولذلك حُكي عن بعض المتطرفين أنه قال: فيه كل شيء إلا التفسير، ولا ريب أن هذه الكلمة غلو من قائلها، ففي الكتاب لفتات تفسيرية رائعة لا تجدها في غيره، ولكن استطراداته الطويلة المجيدة في شتى العلوم ومجالاته الواسعة مع أرباب المذاهب الكلامية والفقهية قللت من الإفادة بالكتاب.
كذلك على الداعية أن يَحذر من الإسرائيليات، وأن يبتعد عنها قدر استطاعته، وعليه أيضًا أن يحذر من الروايات الضعيفة فضلًا عن الموضوعة، فهناك كتب