الكتاب، ويحتمل أن يكون المراد أن الصلاة الكاملة لا تكون إلا بفاتحة الكتاب ((لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)) يحتمل نفي الصحة ونفي الكمال، وبالتأويل الأول نفي الصحة أخذ الجمهور، وبالتأويل الثاني نفي الكمال أخذ الأحناف، وقالوا بعدم وجوب قراءة "الفاتحة"، وتمسكوا بعموم قوله -سبحانه وتعالى-: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (المزمل: 20).
لذلك كله وغيره تلقت الأمة السنة بالقبول، وأجمعت على أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع، وأنه لا غنى أبدًا للمسلمين عن السنة ولو بالقرآن، وأخبار أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من الصحابة والتابعين في ذلك كثيرة جدًّا، ومن ذلك قول خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: "لست تاركًا شيئًا مما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمله أن أزيغ" يعني: مخافة أن أزيغ وأضل.
ولذلك لما امتنع نفر من المسلمين عن أداء الزكاة إلى أبي بكر متأولين قول الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (التوبة: 103) لما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشكل الأمر على نفر من المسلمين فامتنعوا عن أداء الزكاة قائلين: أمر الله رسوله بأخذها، وقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يحق لأحد أن يأخذها بعده، فهمَّ أبو بكر -رضي الله عنهم- بقتالهم، فقال عمر مراجعًا فيما هم به من قتالهم كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله))؟ فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليها".