فقد قال مالك عن هذا الحديث: ليس لهذا عندنا -يعني: عند أهل المدينة- حد معروف ولا أمرٌ معمول به.

كما اشترطوا ألا يُخالف خبر الآحاد الأصول الثابتة، والقواعد المرعية في الشريعة وعلى، هذا الأساس لم يأخذوا بخبر المصرَّاة، وهو ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا تصرّوا الإبل والغنم)) ومعناه: ترك اللبن في الضرع عند إرادة البيع، فيُخدع المشتري حين يرى الضرع مليئًا، ويظن أن هذه هي عادة البهيمة، وإذا به بعد حلبها تعود إلى عادتها وينقص لبنها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تصروا الإبل والغنم ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها)) إذا اشتراها مصراة ثم حلبها فوجد الفرق فهو بخير النظرين إن شاء أمسك وأمضى البيع، وإن شاء ردَّها على صاحبها بائعها وصاعًا من تمر الصاع من تمر مقابل اللبن الذي أخذه.

فرد المالكية هذا لأن هذا الخبر في نظرهم قد خالف أصل الخراج بالضمان، وأصل أن متلف الشيء إنما يغرم مثله إن كان مثليًّا وقيمته إن كان قيميًّا، فلا يضمن في إتلاف المثل جنسًا غيره من طعام أو عروض، وكذلك لم يأخذوا بخبر إكفاء القدور التي طبخت من الإبل والغنم، قبل قسمة الغنائم بحجة مخالفة الأصل رفع الحرج والمصلحة المرسلة، فقد كان يكفي أن يقال لهم: إن ما صدر عنكم لا يجوز، ثم يؤذن لهم بالأكل منها، فإتلاف المطبوخ إفساد منافي المصلحة مما يدل على عدم صحة الخبر. هذه الشروط التي اشترطها المالكية للعمل بسنة الآحاد.

أما الحنفية فقد اشترطوا لقبول سنة الآحاد ألا تكون السنة متعلقة بما يكثر وقوعه؛ لأن ما يكثر وقوعه لا بد أن ينقل عن طريق التواتر أو الشهرة؛ لتوافر الدواعي للنقل، فإذا لم ينقل على هذا الوجه ونقل عن طريق الآحاد؛ دلّ ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015