((إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع قطعة من النار)). ومعنى أن يكون بعضكم ألحن بحجته من بعض أي: أقوم بها منه وأقدر عليها.
ثانيًا: ما ثبت كونه من خواصه -صلى الله عليه وسلم- فهو له وحده لا تشاركه الأمة فيه، كاختصاصه بالوصال في الصوم، فقد كان يواصل لليومين والثلاثة لا يفطر بينهما، فلما أرادوا أن يواصلوا اقتداء بفعله قال: ((إنكم لستم كهيئتي))، وكالزيادة في النكاح على أربع، وغير ذلك، فهذه الأمور خاصة به -صلى الله عليه وسلم- ولا يصح متابعته عليها.
ثالثًا: ما عُرف أن فعله -صلى الله عليه وسلم- بيان لنص مجمل جاء في القرآن، فبيان تشريع الأمة ويثبت الحكم في حقنا، ويكون حكم الفعل الذي صدر منه في هذه الحالة كحكم النص الذي بيّنه الفعل من الوجوب والندب وغيرهما، ويكون الفعل بيانًا للمجمل إما بصريح المقال، أو بقرائن الأحوال، فمن الأول قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فأمر بالاقتداء به في فعله في الصلاة وفي الحج قال: ((خذوا عني مناسككم))، فأداؤه الصلاة بيان للصلاة التي أمر الله بها على وجه الإجمال في قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (النور: 56)، وأداؤه -صلى الله عليه وسلم- لمناسك الحج بيان للحج المفروض علينا بقول ربنا: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (آل عمران: 97).
أما قرائن الحال الدالة على البيان فمثل أمره بقطعه يد السارق من الكوع، فهذا الفعل بيان للمراد من قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (المائدة: 38)؛ لأن لفظ اليد في القرآن مجمل، فاليد تُطلق على ما بين رءوس