للتشريع إذا كان المقصود بها بيان الأحكام أو تشريعها، أما إذا كانت الأقوال في أمور دنيوية بحتة فلا علاقة لها بالتشريع.
أما السنة الفعلية: فهي ما فعله -صلى الله عليه وسلم- كأداء الصلاة بهيئاتها وأركانها، وكقضائه بشاهد واحد مع يمين المدعي ونحو ذلك، وأفعاله -صلى الله عليه وسلم- كأقواله منها ما يكون مصدرًا للتشريع، ومنها ما لا يكون:
أولًا: الأفعال التي تصدر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بحسب الطبيعة البشرية، وبصفته الإنسانية كالأكل والشرب والمشي، والقعود، ونحو ذلك؛ فهذه لا تدخل في باب التشريع إلا على اعتبار إباحتها في حق المكلفين، فلا تجب متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في طريقة مباشرته لها، وإن كان بعض الصحابة يحرص على هذه المتابعة كعبد الله بن عمر، وهذه المتابعة له -عليه الصلاة والسلام- في أفعاله في الأكل والشرب والمشي والقعود أمر حسن، لكن مما ينبغي التنبيه عليه أنه قد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشرب وفي المشي وفي القعود بعض الأوامر، وبعض النواهي. فحينئذ يكون ما أمر به من هيئات الشرب، وهيئات القعود يكون ما أمر به واجبًا، وما نهى عنه محرمًا.
قال: ويُلحق بهذا النوع في عدم اعتباره مصدرًا للتشريع ما صدر عنه بمقتضى خبراته الإنسانية في الأمور الدنيوية مثل: تنظيم الجيوش والقيام بما يقتضيه تدبير الحرب وشئون التجارة ونحو ذلك، فهذه الأفعال لا تعتبر تشريعًا للأمة؛ لأن مبناها التجربة لا الوحي، والرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يلزم المسلمين بها، ولم يعتبرها من قبيل تشريع الأحكام، ولذلك كان في بعض الغزوات يستشير أصحابه، ويأخذ بآرائهم. ويلحق بهذا النوع أيضًا في عدم اعتباره مصدر للتشريع إثبات وقائع الدعوى التي ينظر فيها؛ لأن ذلك أمر تقديري له وليس تشريعًا للأمة، أما حكمه على فرض ثبوت وقائع الدعوى فهو تشريع للأمة، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: