وتصرح ألا إيمان لمن لا يُحكّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يختلف فيه مع غيره، وتقول: أنه لا اختيار لمسلم فيما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحذر المخالفين لأمره من سوء العاقبة والعذاب الأليم. وهكذا دلَّ القرآن الكريم على وجوب اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم.

وكذلك دلَّ الإجماع: فقد اجتمع المسلمون من عهده -صلى الله عليه وسلم- إلى اليوم على وجوب الأخذ بالأحكام التي جاءت بها السنة، وضرورة الرجوع إليها لمعرفة الأحكام الشرعية، والعمل بمقتضاها، فما كان الصحابة ولا من جاء بعدهم يفرقون بين حكم ورد في القرآن وبين حكم وردت به السنة، فالجميع عندهم واجب الاتباع؛ لأن المصدر واحد وهو وحي الله عز وجل، والوقائع الدالة على إجماعهم كثيرة لا تحصى.

ثالثًا: المعقول فقد ثبت بالدليل القاطع أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رسول الله، ومعنى الرسول هو المبلغ من الله، ومقتضى الإيمان برسالته لزوم طاعته والانقياد لحكمه، وقبول ما يأتي به وبدون ذلك لا يكون للإيمان به معنى، ولا تتصور طاعة الله والانقياد إلى حكمه مع مخالفة رسوله -صلى الله عليه وسلم. إذًا قد دل الكتاب والإجماع والمعقول على أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع وللدعاة خاصة.

ولكن قد يرد سؤال هل جميع ما صدر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- له هذا المقام أي: مقام لزوم الاتباع والاستدلال به على الحكم الشرعي، أم لا؟ وهل كل ما صدر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلح أن يكون مصدرًا للتشريع أم لا؟ وللجواب على هذين السؤالين لا بد من الكلام عن أنواع السنة من حيث ماهيتها، أي: ذاتها، ثم الكلام عن أنواع السنة من حيث ورودها إلينا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015