فقوله -صلى الله عليه وسلم- كالقرآن من جهة أن الاثنين مصدرهما وحي من الله، إلا أن السنة مُوحًى بها بالمعنى فقط؛ أما القرآن فكما سبق في بيان المصدر الأول للدعوة وهو القرآن أن القرآن لفظه ومعناه من الله، أما السنة فمعناها من الله، ولفظها من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وحيث إن القرآن واجب الاتباع لأنه من الله، فكذا أقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- واجبة الاتباع لأن معناها من الله أيضًا.

ثانيًا: أعطى الله -تبارك وتعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- وظيفة البيان لمعاني القرآن والشرح لأحكامه المجملة قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44)، وقد عرفنا ونحن نتحدث عن أحكام القرآن أن أكثر أحكام القرآن مجملة والأحكام المفصلة قليلة، فهذا المجمل في القرآن الكريم من الذي بيّنه؟ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (النور: 56) لم يبين عدد ركعاتها ولم يبين كيفيتها، لم يبين الأموال التي تجب فيها الزكاة، لم يبين الأنصبة والمقادير، كل ذلك بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمر الله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44). فإذا كان كذلك فيكون بيانه -صلى الله عليه وسلم- للقرآن متممًا للقرآن، وضروريًّا لاستفادة الحكم الشرعي ومعرفة المطلوب، فدل ذلك على أن السنة مصدر من مصادر الدعوة والتشريع.

ثالثًا: دلَّ على أن السنة مصدر للتشريع النصوص الكثيرة جدًّا الواردة في القرآن التي تدل بصورة قاطعة على لزوم اتباع السنة، والالتزام بها، واعتبارها مصدرًا للتشريع، واستفادة الأحكام منها، وقد جاءت هذه النصوص دالة على ما ذكرنا بأساليب متنوعة، وصيغ مختلفة، فهي تأمر بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتجعل طاعته طاعة لله، وتأمر برد المتنازع فيه إلى الله وإلى الرسول، أي: إلى كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتأمر بأخذ ما يأتينا به الرسول -صلى الله عليه وسلم- والابتعاد عما ينهانا عنه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015