الحظر عظيم الإحساس بأحوال الحاضرين، فضلًا عن شمول علمه وسعة ثقافته وجاذبية كلامه ومنطقه وسلاسة فصاحته وأسلوبه، وملامح روحانيته وتقواه.
ولكن في الحقيقة لا تكفي قوى الحجة ولا سرعة البدهية ولا سلاسة الأسلوب ولا ملامح التقوى إذا لم يعطِ الداعية كل إنسان على حسب ما يتناسب مع فهمه، وما يتفق مع عقليته، وما يتلاءم مع نزعته؛ تحقيقًا للمبدأ الذي سنَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للدعاة في كل زمان ومكان: ((أمرنا معاشر الأنبياء: أن نحدّث الناس على قدر عقولهم)) فالداعية مثلًا حين يجتمع مع طبقة من المسلمين الفطريين والمؤمنين الصادقين المطبّقين فيكفيه أن يأتي لهم بشواهد القرآن والسنة، ويذكّرهم بسيرة الصحابة والسلف؛ ليؤثر فيهم ويرفع من مستواهم ويأخذ بأيديهم نحو السلوك الأقوم والكمال المنشود، وهذا يختلف كل الاختلاف حين يلتقي مع طبقة من المسلمين المنحرفين والشباب الشّاذين المتحللين، فعلى الداعية أن يعطي هؤلاء من القناعات العقلية والعلمية مما يدفع أولئك إلى القناعة الوجدانية في تجنب الانحراف وفطم النفس عن الشذوذ والتحلل، فحين يريد إصلاح قوم ارتكبوا موبقات الزنا أو الخمر أو الميسر أو الربا أو غير ذلك من هذه الموبقات، التي تؤدّي إلى التحلل والانحراف- فعليه أن يبين لهم ضرر هذه الموبقات من الناحية الجسمية والخلقية والاقتصادية والاجتماعية والعقلية، فبعد هذا البيان يُمكن أن يولّد فيهم القناعة الوجدانية في الامتناع عن هذه الموبقات؛ لما لها من أضرار بالغة وأخطار ظاهرة لا ينكرها إلا مكابر، ثم ينتقل الداعية بالمدوعين إلى السِّر في تحريم الإسلام لهذه الموبقات، فعندئذٍ يُدركون جيدًا الحكمة التشريعية في تحريم الإسلام للزنا أو الخمر أو الميسر أو الربا، فلا يجدون بدّا إن كانوا عقلاء ومنطقين مع أنفسهم إلا أن يكفّوا عن هذه المحرمات والموبقات.