ولقد كان السلف الصالح -رضوان الله عليهم أجمعين- يتحرجون من الدعوة إلى الله وتعليم الناس الخير قبل أن يحاسبوا أنفسهم وأولادهم وأهليهم، ويأمروهم بالبر والتقوى والعمل الصالح؛ فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان قبل أن يأمر الناس بأمرٍ وينهاهم عن نهيٍ كان يجمع أهل بيته ويقول لهم: "إني سأدعو الناس إلى كذا وكذا، وأنهاهم عن كذا، وإني أقسم بالله العظيم لا يبلغني عن أحدٍ منكم أنه فعل ما نهيت الناس عنه أو ترك ما أمرت الناس به إلا نكلت به نكالًا شديدًا"، ثم يخرج -رضي الله عنه- فيدعو الناس إلى ما يريد، فما يتأخر أحدٌ عن السمع والطاعة، وهذا مالك بن دينار -رضي الله عنه- كان إذا حدَّث الناس بهذا الحديث: ((ما من عبد يخطب خطبة، إلا الله سائله عنها يوم القيامة: ما أردت بها؟)) كان يبكي ثم يقول: "أتحسبون أن عيني تقر بكلامي عليكم وأنا أعلم أن الله سائلي عنه يوم القيامة، يقول: ما أردت به؟ فأقول: أنت الشهيد على قلبي، لو لم أعلم أنه أحب إليك لم أقرأ على اثنين أبدًا".
إلا فليتأدّب الدعاة بهذا الأدب الإسلامي الرفيع؛ ليستجيب الناس لهم ويأخذوا عنهم ويتأثروا بمواعظهم.
ومن الصفات التي يجب على الداعية أن يتحلى بها: أن يكون قوي الحجة مستظهرًا للأدلة التي يستدلّ بها على ما يدعو الناس إليه:
إن من أبرز العوامل التي توصّل الداعية إلى قمة النجاح والتوفيق، وتضفي على مستمعي روح الهيمنة والتأثير- هي قوة إقناعه وظهور استدلاله ونصاعة حجته وبرهانه، وهذا لا يتأتَّى إلا أن يكون الداعية سريع البدهية قوي الملاحظة شديد