الداعية إلى الله إذا لم يجد ويجتهد في نشر الدعوة كسل وتبلّد، والكسل والبلادة قعود عن الحق وإهمالٌ للواجب، ولا يمكن لكسلان أن يقوم بحقّ الدعوة، كما لا يتمكن البليد من تبليغها، ولأن تعليق القلب بالدنيا والاشتغال بتحصيلها يحول بين الداعية وبين الناس، فلا يجتمع عليه أحد ولا يكون في قلبه مكان لدعوته؛ حيث استحوذت الدنيا على قلبه وملكت عليه حواسه، ومن استولت الدنيا على قلبه سخّرته لخدمتها، وعندئذ لا يكون فيه مكان للآخرة؛ لأن الدنيا والآخرة ضرتان، والدعوة لا تنتشر إلا بالعمل الجاد الدائب والبذل المستمر الذي لا ينقطع،.
وكيف يبذل للدعوة من همه جمع المال، بل كيف ينفق في الدعوة من غايته تحصيل الدنيا وجمع حطامها، إن التكالب على الدنيا والحرص على جمع المال والانغماس في الشهوات وبذل أقصى الجهد في مسابقة الناس على الدنيا- كل ذلك يؤدي إلى الانصراف عن الحق الذي هو مهمة الدعاة، وتشبث بالباطل الذي هو مِعْول هدم في الدعوات؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه من بعده -رضوان الله عليهم أجمعين- كانوا أبعد ما يكونون عن الدنيا، حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشبع من خبز الشعير مرتين في يوم واحد، وكان ينفق نفقة من لا يخشى الفقر، جاءه رجل فرأى غنمًا بين واديين أو بين جبلين، فنظر إليها فقال له -صلى الله عليه وسلم-: ((أيسرك أن تكون لك؟)) قال: نعم يا رسول الله، فأمر بها له، فرجع الرجل إلى قومه يقول: "يا قوم أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخاف الفقر".
ويذكر الواقدي في (المغازي) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى صفوان بن أمية يوم حنين واديًا مملوءً إبلًا ونعمًا، فقال: "أشهد ما طابت بهذا إلا نفس نبي" وكان صفوان يقول: "أعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أعطاني وإنه لمن أبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني