ثم تكون النوافل يُجبر الكسر ويكمّل بها النقص ويتقرب بها إلى رب السموات والأرض، فيصفو قلب الداعية وتزكو نفسه وتنفعل جوارحه، فلا ينظر إلا إلى ما يحل له ولا يسمع إلا لما يستفيد منه، ولا يمد يده إلا إلى الحلال ولا يمشي إلا في الطاعة والرضوان، وحينئذ ينعكس أثر الطاعات على من يدعوهم، فيتأثرون بحديثه ويتأسَّون بعمله، ويكون لهم منهجًا رشيدًا يتحرك بينهم بالخير ويدلهم على الرشد، وتكون سيرته أعظم دعاية من خطبه ومواعظه.
ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتقى المسلمين وأخشاهم لله رب العالمين، فكان إذا صلى يُسمع لجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وكان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فلما قيل له في ذلك قال: ((أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا)) وكان -صلى الله عليه وسلم- حتى يقال لا يفطر وكان لا يترك الليل في حضر ولا في سفر، وكان يتصدق بكل ما عنده ولا يبقي لنفسه شيئًا؛ لهذا كان الاجتهاد في الطاعات والتنافس في الخيرات من أبرز سمات الدعاة إلى الله -عز وجل؛ حيث تكون الصلة وثيقة بينهم وبين باريهم، فالصلاة معراجهم إلى الله والصوم جُنة لهم من النار والصدقة تطفئ غضب الرب.
ومن أهم الصفات التي ينبغي للداعية أن يتحلى بها: التجرد والزهد:
والتجرد: هو الجد في نشر الدعوة، والاجتهاد في تبليغها، والتفرغ لها، وتقديمها على غيرها من مصالح الإنسان الخاصة، والزهد: هو عدم التطلع إلى ما في أيدي الناس والاقتناع بما قسم الله من الرزق، وعدم تعليق القلب بالدنيا وزخارفها، وهاتان الصفتان -التجرد والزهد- من أهم أسباب نجاح الدعاة في مهمتهم؛ لأن