يردّد صباح مساء قول ربه سبحانه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (الأنعام: 59).
فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من رقة الهوى ونزغات النفس الأمارة بالسوء، وهمزات الشياطين وفتنة المال والنساء، ويتحلى بالمراقبة لله -عز وجل- والإخلاص له والاستعانة به والتسليم لجنابه، ويندفع بكليته إلى العمل بكل أمانة وجدية وإتقان، بل يكون إذا مشى في الناس إنسانًا سويًّا برًّا تقيًّا ريحانة طيبة الشذى وشامة في المجتمع يُشار إليه بالبنان، بل يتمثل بما كان الإمام أحمد -رضي الله عنه- يتمثل به كثيرًا وهو قوله:
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعةً ... ولا أن ما تُخفي عليه يغيب
فعلى هذه المعاني من الإيمان ينبغي أن يتكون الداعية، وأن يواجه بهذا الإيمان صراع الحياة. إن الإيمان الحق الراسخ بأن الإسلام هو خاتم الأديان وأنه الدين الذي بُعث به محمد -صلى الله عليه وسلم- لإنقاذ العالم وتخليصه من التخبط في الظلمات، وأنه دين شامل لجميع نواحي الحياة الدينية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية والعسكرية. هذا الإيمان يدفع صاحبه بحماس منقطع النظير إلى أن يدعو الناس إلى الإسلام بثقة واطمئنان وأن يحثّهم على اتباعه والتمسك بهديه والعمل الدائب الجاد لنصرته.
هذا الإيمان لا يترك صاحبه يهدأ حتى يرى الناس قد دخلوا في دين الله أفواجًا، هذا الإيمان لا يرتاح لصاحبه بال حتى يرى راية الإسلام عاليةً خفاقة في كل مكان.