ويتحلّى بالصبر والشجاعة والإقدام، ويهتف من أعماق قلبه بما هتف به عليٌّ -رضي الله عنه- حين كان يجابه الأعداء: "أي يومي من الموت أفرّ؟ يومٌ لا يُقدر أم يوم قُدِّر، يوم لا يقدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذِر".
وأعني بالإيمان أيضًا: أن يعتقد المؤمن من سويداء قلبه أن الأرزاق بيد الله، وأن ما بسطه الله على العبد لم يكن لأحدٍ أن يمنعه، وما أمسكه عنه لم يكن لأحد أن يعطيه، وأن ما قُدّر لا بد أن يكون، وأن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها، وعلى الداعية المؤمن أن يضعَ نُصب عينيه قول ربه -عز وجل-: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (الإسراء: 30)، وأن يردد صباح مساء قول الله -عز وجل-: {أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} (الملك: 21)، فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرّر الداعية المؤمن من الحرص الزائد على الدنيا والإلحاح بالطلب، ويتحرر أيضًا من الشح النفسي والتقدير المزري والإمساك الشائن، ويتحلَّى بمعاني الكرم والإيثار والعطاء، بل يرى السعادة في القناعة وعيش الكفاف، فإذا قنعت النفوس رضيت بالقليل وكفاها اليسير، ورحم الإمام الشافعي حين قال:
النفس تجزع أن تكون فقيرة ... والفقر خير من غنى يطغيها
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبته ... فجميع ما في الأرض لا يكفيها
وأعني بالإيمان الذي يجب على الداعية أن يتصف به: أن يعتقد الداعية المؤمن من أعماق أحاسيسه ومشاعره: أن الله -سبحانه وتعالى- معه يسمعه ويراه، ويعلم سره ونجواه، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وعلى المؤمن أن يضع نُصب عينيه قول ربه سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المجادلة: 7) وأن