رأى المسلم المنكر ولم يغيّره بيده ولا بلسانه وظلَّ جالسًا مع أهله- جلوسه هذا دليل على أنه لم يغيره بقلبه أيضًا ولذلك جلس معهم، فهو شريكهم في الإثم، ولذلك روي "أن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- أوتي بقوم شربوا الخمر فقال: اجلدوهم، قالوا: فيهم فلان كان صائمًا قال: به فابدءوا"، اجلدوه أولًا، لماذا جلس مع الذين يشربون الخمر وهو صائم؟!
ثالثًا: مما يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: أن يعلم المصالح والمفاسد الشرعية التي تترتب على أمره ونهيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وجماع ذلك داخلٌ في القاعدة العامة، فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي إن كان متضمنًا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فيُنظر في المعارض له؛ فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر؛ لم يكن مأمورًا به، بل يكون حرامًا إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته.
لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد إنما هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، ومن هذا الباب ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن أبي بن سلول وأمثاله من أئمة النفاق والفجور، لما لهم من أعوان، فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغرر القوم وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقتل أصحابه؛ ولهذا لما خطب الناس في قضية الإفك بما خطبهم به واعتذر عنه وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه حمي له سعد بن عبادة مع حسن إيمانه وصدقه، وتعصب لكل منهم قبيلته حتى كادت تكون فتنة.