وقال الإمام النووي -رحمه الله-: ثم إنه إنما يأمر وينهى من كان عالمًا بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها، فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد؛ لم يكن للعوام مدخلٌ فيه، ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء.

ثانيًا: مراتب تغيير المنكر ثلاث، فيجب على الداعية أن يتبع الحكمة ويراعي القدرة على هذه المراتب، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) فالإنكار باليد أعلى درجات الإنكار، وإنما يكون لأولي الأيدي والأبصار، أهل القوة والتمكن والقدرة، ولا يكون ذلك إلا من ذي سلطان، فالرجل في بيته سلطان يأمر وينهى ويغير المنكر بيده، والرجل في أي دائرة أو مؤسسة يديرها ويرأسها ذو سلطان يغير بيده، وأما في الشارع فإن التغيير باليد قد يفضي إلى مضار كثيرة ومنكرات أعظم من المنكر الذي غيره، ولا يجوز تغيير المنكر إذا أفضى إلى منكر أعظم منه، فمن لم يستطع باليد لأي سبب تحول إلى الإنكار باللسان، بأن يذمّ المنكر وأهله ويبين فساده ويحذر منه، فإن لم يستطع بلسانه تحول إلى الإنكار بالقلب بغضًا للمنكر وأهله ومفارقة لمجالسهم، فلا يجوز لمن رأى منكرًا وعجز عن تغييره باليد أو باللسان أن يظلَّ قاعدًا مع أهله؛ لأن هذا ليس منه تغيير، بل من التغيير بالقلب أن ينهض منصرفًا تاركًا لهذا المجلس، فإن الله -تبارك وتعالى- قال: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (الأنعام: 68)، وقال سبحانه: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} (النساء: 140)، فإذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015