ومن هنا نقول: إن العقول القاصرة والعاجزة والمتباينة والمتفاوتة بين البشر في إدراك وجه الصواب فيما هو مشاهد- لحريّ بها أن تعجز تمامًا عن إدراك غيبٍ أو ما يتصل به، من أجل ذلك كله كان إرسال الرسل ضرورة لتعريف الناس وتبصيرهم حتى تذهب كل حُجة للمخالفين لهدي الله تعالى، وكانت رحمة الله وعدالته سبَّاقة: {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} (الإسراء: 15) فأرسل الله رسله يبصّرون الناس بالحق ويرشدونهم إلى الخير وينذرونهم عوامل الفساد والإفساد ولقاء ربهم، فحرروا العقول وهذّبوا الطباع وشرحوا الصدور وصفّوا الأرواح ونقوا النفوس وطمأنوا القلوب، فخلصوا من رق الشهوات وأصل الأهواء وتطهروا من رجس الشيطان ودنس النقائص والرزائل وأدركوا عوامل ثباتهم على الحق وتجنبهم للباطل، كل ذلك بفضل رسالة المرسلين وجهد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أما وقد ختم الله النبوة من محمد -صلى الله عليه وسلم- كما قال: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (الأحزاب: 40) فمن بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى يُصلح ما أفسد الناس، ويقيم ما اعوجّ بسبب الناس، إنهم دعاة الحق وورثة الأنبياء الهداة المصلحون والمرشدون الناصحون والدُّعاة العاملون أرباب المعرفة والنظر، ولعل الواقع يشهد بالحاجة الملحة إلى زهد هؤلاء الذين اصطفاهم الله تعالى بحمل كتابه وميراث الدعوة وأعبائها بعد رسوله -صلى الله عليه وسلم.
إن المعرفة الإسلامية والدعوة إلى الله تعالى وكلمة التوحيد وصفات الله -عز وجل- ومنهج الحق- كان ذلك كله عامل توحيد للكلمة والصَّف، وإصلاح للفاسد والمعوجّ، أما اليوم فكثيرٌ من الناس يلعن بعضهم جدلًا في الله بغير علم، وهذا