لأن الإنسان لم يُولد عالمًا وإنما العلم بالتعلم كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم، والله تعالى قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114).
ثانيا: علم الشهادة: وهو ما يخضع لحواس الإنسان ومدركاته مما له صورة في الواقع، وهو كذلك، تقصر العقول في إدراكه لتفاوت الناس في هذا الميدان كما هو معلوم مشاهد، فقد قسَّم الله بين الناس معيشتهم بحيث يحتاج الجميع إلى الجميع، وهم متفاوتون في كل شيء، بل الإنسان ذاته ليقصر عقله في وقت ويزكو في وقت آخر، ورضي الله عن عمر -رضي الله عنه- لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توعَّد من قال بوفاته: "من قال: إن محمدًا قد مات قتلته بسيفي"، فلما خرج أبو بكر -رضي الله عنه- على الناس وقرأ عليهم قول الله عز وجل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شيئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (آل عمران: 144) بعدها قال عمر كغيره: "فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ"، وهذا القصور في الإدراك مردّه إلى تفاوت العقول أو إلى تأثير الشهوات عليها، فمن غضب أو أفرط في تفاعله مع المواقف قصر إدراكه وتفلّت منه بيانه وأزلف لسانه، فحبك الشيء يعمي ويصم وغضبك من إدراكك وهواك موجهٌ لتفكيرك، ولو جانب الحق والصواب، ومن هذا موقف عمر -رضي الله عنه؛ فقد قصر إدراكه للآية الكريمة لغلبة الغضب عليه واستبداده به، ولذلك نرى كثير من الناس تقصر عقولهم عن إدراك الأشياء التي سبق لهم إدراكها، هذا فضلًا عن قصورهم عن إدراكها أصلًا، كذلك نجد العقول متفاوتة كمّا وكيفًا وحالًا، فما يدركه هؤلاء يعجز عن إدراكه الآخرون، وكذلك العقول تعجز تمامًا عن إدراك ما استأثر الله بعلمه فضلًا عن عجزه إدراك أسباب سعادتها إن أعيت نفسها في البحث عن كُنه الأشياء، البحث فيما وراء المادة أو وقعت أَسْر الشهوات والأهواء.