فنقول: يدور المعنى اللغوي للوحي على ثلاثة أصول، هي: الإعلام والسرعة والخفاء، قال ابن منظور: الوحي الإشارة والرسالة والإلهام والكلام الخفي وكل ما ألقيته إلى غيرك. وفي (تهذيب اللغة) للأزهري: أصل الوحي في اللغة كلها إعلام في خفاء؛ ولذلك صار الإلهام يُسمى وحيًا. وقال ابن الأثير: الوحي الوحي أي: السرعة السرعة، ويمد ويقصر، يقال: توحيت توحيًا إذا أسرعت.

وأما الوحي في الشرع، فمن أجمع ما قيل في تعريفه ما نُقل عن الإمام الزهري في تفسيره لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} (الشورى: 51) يقول الإمام الزهري -رحمه الله-: نزلت هذه الآية تعمّ من أوحى الله إليه من البشر، فكلام الله الذي كلم به موسى من وراء حجاب، والوحي ما يوحي الله إلى نبي من أنبيائه -عليهم السلام؛ ليثبت الله -عز وجل- ما أراد من وحيه في قلب النبي ويكتبه وهو كلام الله ووحيه، ومنه ما يكون بين الله وبين رسله ومنه ما يتكلم به الأنبياء ولا يكتبونه لأحد ولا يأمرون بكتابته ولكنهم يحدثون به الناس حديثًا ويبينونه لهم؛ لأن الله أمرهم أن يبينوه للناس ويبلغونه إيَّاه، ومن الوحي ما يُرسل الله به من يشاء ممن اصطفاه من ملائكته فيكلمون به أنبياءه من الناس، ومن الوحي ما يرسل الله به من يشاء من الملائكة فيوحيه وحيًا في قلب من يشاء من رسله، فهذا التعريف قد شمل كلام الله تعالى لأنبيائه من وراء حجاب وكلام الله تعالى الذي يرسل به ملائكته وشمل الإلهام الذي هو إلقاء الوحي في قلب النبي، وهو الذي يقول عنه الإمام الزهري: أن الأنبياء لا يكتبونه ولا يأمرون بكتابته، ولكنهم يبينونه للناس، وهو يريد بذلك التفريق بين الوحي الذي يكون لفظه ومعناه من الله تعالى وهو القرآن، فهذا هو الذي يأمر النبي بكتابته، وأما الوحي الذي لا يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015