بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شيئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (البقرة: 170) ووصف الله -سبحانه وتعالى- المقلدين بأنهم يردّدون ما تلقونه كالببغاوات أو العجماوات قال: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (البقرة: 171).

ثانيًا: يدعونا القرآن الكريم إلى أن نستعمل الحواس والعقل معنا في تجاربنا المادية والمعنوية، فكلاهما متممٌ للآخر، وليس بينهم انفصال أو انشقاق كما يدَّعي الفلاسفة الحسيون أو الفلاسفة العقليون، والله تعالى يشير في تعداد نعمه علينا إلى الحواس وإلى العقل معًا فيقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شيئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل: 78)، بل إن الله سبحانه جعلنا مسئولين عن استخدام هذه الوسائل، فقال جلَّ من قائل: {إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء: 36).

ثالثًا: نبَّأ الله -سبحانه وتعالى- إلى أن في الإنسان نوعًا من المواهب الخفية غير الحواس الظاهرة وغير العقل المفكر، وسمى هذه المواهب باسم الحكمة، فقال -سبحانه وتعالى- ممتنًّا على من يؤتيها: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (البقرة: 269) إلا أن معرفة الحواس والعقل معرفةٌ قاصرة لا تستطيع أن تعرِّف الإنسان بالله ومراده وما يجب له على عباده وما لهم عليه إن هم أدوا حقه، وما يلحقهم إن هم لم يقوموا بحقِّه؛ لذلك كان الإنسان بحاجة إلى معرفة ذلك عن غير طريق الحواس والعقل، وليس ثمّ سبيل إلى هذه المعرفة إلا سبيل الوحي، فكانت المعرفة الوحيية أعلى أنواع المعرفة وأكملها؛ لأن مصدرها هو الله -سبحانه وتعالى، ولذلك نرى لزامًا علينا أن نعرّف الوحي كما عرفنا الحسَّ والعقل والفطرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015