جمالًا يستلزم وجود المدرك المحسوس، وهذه الفروق وغيرها لا تنفي تكامل الحواس الباطنة مع الحواس الظاهرة في المعرفة الحسية.
ومن خلال هذه الإشارات التي أبانت مكانة الحسّ في الفكر الإسلامي نستنتج منها ما يلي:
أن للحس دورًا مهمًّا في عملية المعرفة، لكنه ليس المصدر الوحيد لها.
أن العالم الحسي واقع مشاهد لا يمكن إنكاره أو عّده شبحًا أو ظلالًا.
ثالثًا: أن الانطلاق من الحس والجزئيات أعطى المسلمين فهمًا جديدًا لمعنى التجربة، جعلتهم تجريبيين حقيقيين، دون أن يكون ذلك السبب العقل أو التقليل من شأنه، ووضع الحس موضعه وعرف للعقل قدره، وضبط كلاهما بمبادئ اليقين التي يعرفها المنهج الإسلامي.
رابعًا: أن الشك في الحواس وذكر خطئها وخداعها ليس شكًّا مذهبيًّا كما هو عند بعض اليونان، لكنه منهج يحذر في الشك في الإفراط في الثقة في الحواس، كما يشير إلى دور العقل وأهميته، بالإضافة إلى ضرورة الحرص على سلامة الحواس قبل الثقة في الأخذ عنها. أما العقل فهو مصدر عقل يعقل، وليس اسمًا لجوهرٍ قائمًا بنفسه، وإنما هو مجرد صفة كالعلم والفهم والإحساس والشم والذوق ونحو ذلك مما هو مقتضى قوى الإدراك، قال أهل اللغة: عقل يعقل عقلًا ومعقولًا أيضًا، وهو مصدر، وقال سيبويه: هو صفة.
وفي بيان هذا المعنى يقول الإمام ابن تيمية: إن العقل في الكتاب والسنة وكلام الصحابة والأئمة لا يُراد به جوهر قائمٌ بنفسه باتفاق المسلمين، وإنما يُراد به العقل الذي في الإنسان، الذي هو عند من يتكلم في الجوهر والعرض من قبيل