فإن الحواس لا تدركها، بل هي التي تدرك كل المدركات، ولعل فخر الدين الرازي في تناوله للحواس الظاهرة أو وسائل الإدراك الخارجي من أكثر الذين تعرضوا للصلات بين الحواس والمقارنات بينها متأثرًا في بعض ما ذكر بفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا الذي تأثر بأرسطو في كثير من مسائل هذا الموضوع، كما ظهر في اعتباره الذوق نوعًا من اللمس باعتبارهما شعورًا مع الفارق في فائدة الجسم من كل منهما، فالذوق عبارة عن الشعور بما يلائم البدن ليطلبه، واللمس شعور خاص بما ينافيه ليتجنب عنه.
الحواس الباطنة: لم تكن الحواس الظاهرة هي كل الجهاز المعرف الحسي، بل رأى منكري الإسلام أن حواس باطنة تكمل دور الجهاز المعرفي الحسي، وإذا كنا قد أثرنا إلى رأي ابن حزم في حاسة سادسة وهي ليست من الحواس الظاهرة فإننا نشير إلى أن كثيرين غير ابن حزم قد رأوا ضرورة أن يكون هناك حواس باطنة تكمّل دور الحواس الظاهرة في المعرفة الحسية، ومستندهم في هذا أن الحواس الظاهرة تدرك الأشياء جزئيّة ومتناثرة، ولا تكون مدركاتها ذات قيمة ما لم يكن هناك حاسة أو أكثر تجمعها، فإذا أضفنا إلى ذلك أننا نجد صور المحسوسات بعد أن تغيب عنا موجودة في نفوسنا وأذهاننا بعد غيابها، ووجود هذا الصورة ليس من أعمال الحس الظاهرة؛ من أجل هذا رأوا أنه لا بد من قوة أو قوى تلتقط هذه الصور وتجمعها وتحتفظ بها وتُصدر أحكام عليها، وقد عدها البعض خمس قوى باطنة هي الحس المشترك والخيال والقوة المتخيلة، وتسمى أحيانًا المفكرة، والقوة الوهمية، والقوة الحافظة.
وطبيعي أن يكون هناك اختلافٌ بين عمل الحاسة الظاهرة والحواس الباطنة؛ من حيث أن الأولى ملامسة للمحسوس وبواسطة، بينما الثانية تصور له وتذكر