حاسة باطنة أو نقل ما يُسمى بأوليات العقول إلى عمل الحواس، ولا يُفسر هذا عند ابن حزم إلا بافتراض أخذه ولو لم يصرح بالحواس الباطنة، كما يذكر الرازي، وضمها إلى قائمة الحواس باعتبار أن مصادر المعرفة عنده كما هي عنده جمهور الفلاسفة والمتكلمين أعيانٌ وخبر ونظر، وقد ربط ابن القيم بين ما تتميز به الحاسة في إدراكها بين وجهة تفضيلها باعتبار أن اليقين مراتب، فيرى أن السمع مرتبة لكن مرتبة العين أتمّ وأكمل، وكأن كل واحدة فضلت من جهة، فالمدرك بالسمع أعم وأشمل والمدرك بالبصر أتم وأكمل.

عمل الحواس الظاهرة: قلنا إنه من أجل تنوع مدركات الحواس تنوعت الحواس أو العكس، من المقرر أن عملية الإدراك الحسي هذه مدخل إلى العلم العقلي؛ لذا كان من الضروري أن يتعرض العلماء لبحث مسألة طريقة عمل هذه الحواس الظاهرة، فلتعمل كل حاسة على حدة دون تداخل بينها وبين الحواس الأخرى، أو أن هناك تداخلًا لاعتبارات معينة، هناك من يرى أن الحواس تعمل كل على حدة ولا تداخل، بل إن كل حاسة تقوم بالوظيفة التي أناطها الله بها، بينما يرى آخرون أن الحواس تعمل بالمداخلة والمجاورة؛ لأن الملموسات والمذوقات والمشمومات كلها أجسام وليست أعراضًا، فلو كانت أعراضًا لاستحال أن تدرك بالاتصال أو تسمع بالآذان أو تشم أو تذاق أو تلمس، وهذا رأي بعض المعتزلة كما يذكر الأشعري، ويتفق ابن تيمية مع صاحب هذا الرأي بالنسبة للشم والذوق واللمس باعتبارهم حسًّا محضًا لا يحصل إلا بمباشرة المحسوس، أما ابن حزم، فمع أنه يرى عدم التداخل بين الحواس فإنه يرى أن الحواس الخمس لا تدرك المحسوسات إلا بالمقابلة والتفاضل؛ بأن يعظم الفرق بين الشيء في وضعين مختلفين، فتتمكن الحواس من إدراك المحسوس، أما إذا فقدت الأشياء ما يظهر هذا التقابل كأن تكون فاقدة لصفة اللون والطعم والرائحة والمحسّة كالنفس مثلًا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015