يبن تفسير العلم بالمعرفة والمعرفة بالعلم، وبين أن يكون لكل منهما مع ذلك معنى يختصّ به، وإنما المقصود اشتراكاهما في المفهوم الإجمالي المستند إلى ثبوت معنًى في النفس هو حقيقة العلم والمعرفة، وكما يقول الإمام ابن حزم: فالعلم والمعرفة اسمان واقعان على معنى واحد، وهو اعتقاد الشيء على ما هو عليه وتيقنه وارتفاع الشكوك عنه، وهذا المعنى القائم في النفس حقيقة ضرورية يُدركها الإنسان من نفسه، وهي أظهر من أن تُعرّف أو يستدل لإثباتها؛ لأن كل إدراك لأمر كلي أو جزئي متوقف على ثبوت حقيقة المعرفة في النفس ثبوتًا ضروريّا لا يمكن الجهل به أو الشك فيه، والتعريف إنما يكون بما هو أظهر وأوضح مما يراد تعريفه، والمعرفة هي أظهر المعارف بحيث لا يمكن تعريفها بما هو أظهر منها.
وبتذوّق اللفظ القرآني وتفهمه أدرك البعض أن بين المعرفة والعلم خصوصًا وعمومًا سواء من جهة اللفظ أو المعنى، يقول الأستاذ عبد الحكيم المغربي: المعرفة إدراك الشيء بتفكرٍ وتدبّرٍ لأثره، وهي أخص من العلم، ويقال: فلان يعرف الله، ولا يقال: يعلم الله، متعديًا إلى مفعول واحد، وعرفه يعرفه معرفة وعرفانًا فهو عارف.
والعلم والمعرفة يُفرق بينهما من جهة اللفظ ومن جهة المعنى:
أما من جهة اللفظ: ففعل المعرفة يقع على مفعول واحد، تقول: عرفت الديار، قال الله تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} (يوسف: 58) وقال تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة: 146)، وفعل العلم يقتضي مفعولين كقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} (الممتحنة: 10)، وإذا وقع على فعل مفعول واحد كان بمعنى المعرفة كقوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} (الأنفال: 60).