رحمه الله- لو قيل: إنه هو واضع هذا الفن -فن علم أصول الدعوة؛ لم يكن ذلك القول بعيدًا، على أن الوعظ والتذكير والقصص كلها تندرج تحت معنى واحد هو الدعوة إلى الله بالكلام أو بالخطابة.
وما ورد عن السلف من ذم للقصاص فهو محمول على ما لم يكن فيه علم الكتاب والسنة، أو ما لم يتحرَّ أصحابه فيه الصدق والصواب والإخلاص، ولقد عُني العلماء بالتفصيل في مسائل علاج النفوس ومداومتها؛ فضرب الغزالي بسهم وافر في كتابه (منهاج العابدين) وأبواب من (إحياء علوم الدين) وكذا ابن حزم في كتابيه (علل النفوس ومداوتها) و (الأخلاق والسير)، وأوفى على الغاية شيخا الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في كتبهما النافعة، لا سيما (مدارج السالكين) لابن القيم (في شرح منازل السائرين) و (حادي الأرواح) و (الفوائد) وغيرها من كتب ابن القيم و (التحفة العراقية في الأعمال القلبية) لابن تيمية وغير ذلك. وما زال أهل العلم يضعون كتب في الوعظ وفي الخطابة تارة وفي تربية النفوس ورياضتها تارة أخرى، وربما جمعوا بين السير والتراجم من جهة والدعوة إلى إصلاح النفوس من جهة أخرى، كما فعل أبو نعيم الأصبهاني في كتابه (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) وكما فعل الإمام الذهبي في (سير أعلام النبلاء)، وربما جمعوا بين السيرة النبوية والفقه والدعوة إلى الاقتضاء والتأسي كما فعل ابن القيم في كتابه (زاد المعاد في خير هدي العباد)، وربما تضمنت كتب الآداب هذا المعنى ككتاب (أدب الدنيا والدين) للماوردي و (الآداب الشرعية) لابن مفلح الحنبلي، كما صنفت كتبٌ مبكرة في الحسبة وأحكامها وآدابها ككتابي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) للخلال وابن تيمية، و (معالم القربى في أحكام الحسبة) لابن الأخوة الشافعي.