العصر الحديث نهضة دعوية وتيارات إسلامية وعُرفت المؤسسات الدعوية والإعلامية وتأسست الكليات الدعوية والأقسام العلمية في الجامعات الشرعية؛ كل ذلك خدمة لقضية الدعوة.

ولا جرم أن كان تدوين هذا العلم في أوله قاصرًا محدودًا ثم تكاملت واجتمعت أجزاؤه وأركانه، فاستوى وقام على سوقه، وبلا شك فقد كان أوله في العصر الحديث عاطفةً وحماسًا وإن لم يخلُ من تأصيل وتقعيد، ثم إن آخره كان فقهًا وتقعيدًا وإن لم يخلو من عاطفة وتحميس، فلا عجب أن يستفيد اللاحق من السابق، فيؤصل للدعوة مناهجها ويضبط وسائلها وأهدافها، ويبصرها بمواضع الزّلل ومكامن الخلل ومواطن الرشد وأسباب العلاج، وقديمًا قيل: كما ترك الأول للآخر.

ومما تجدر ملاحظته أن التصنيف الخاص في الدعوة إلى الله أخذ في بادئ الأمر سمة الوعظ والتذكير والمخاطبة بما يرقق القلوب ويزهّد في الدنيا ويرغّب في الآخرة؛ حيث عُرفت أبواب الرقاق في عامة كتب الحديث كالصحاح والسنن، وأُفردت أبواب الزهد بكتب مستقلة كـ (الزهد) لابن المبارك وللإمام أحمد، ونحو ذلك مما يشتمل على دعوة النفس ومحاسبتها، ثم جاء ابن الجوزي بكتابه الوعظي (التبصرة) وقد جمعت خطبه ومجالسه وعظه في أسفار عديدة، مثل "اللطف في الوعظ" و"الشفاء في مواعظ الحكام والخلفاء"، ثم ألف كتابًا بعنوان (القصاص والمذكرين) ضمنه طائفة من القواعد الأساسية في الدعوة إلى الله، وبيانًا لكيفية الدعوة وآداب الداعي وشروطه، كما ضمّنه تراجمَ مجموعة من القصاص والمذكّرين ونتفًا مضيئة من جوامع الكلم وروائع البيان عن الصحابة فمن بعدهم، وقد سمَّى ابن الجوزي هذا الفن بأسماء ثلاثة: القصص والتذكير والوعظ، فلو قيل: إن ابن الجوزي المتوفى عام خمسمائة وسبعة وتسعين -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015