فذكر الله -تبارك وتعالى- الإنسان بأصل خلقه من ماء مهين من ماء دافق؛ ليندِّد بغطرسة الإنسان ويهذّب كبرياءه فيجعله متواضعًا واقعيًّا في حياته، ثم بيَّن له عناية الله -عز وجل- به في ظلمات الرحم، حينما أنشأه جنينًا وربَّاه في بطن أمه حتى أتم خلقه {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُون} (الزُّمَر: 6)، ويقول سبحانه مبينًا الأطوار التي يمرّ بها الإنسان في بطن أمه حتى يخرج بشرًا سويًّا في أحسن صورة يقول سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون: 12 - 14) ذكر الله -تبارك وتعالى- الإنسان برحمته به وتربيته له في بطن أمه؛ ليثير عنده عاطفة العرفان بالجميل والشكر للخالق والخشوع لله، فكان من نتيجة هذه التربية القرآنية دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- في السجود: ((سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشق سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين، اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين)).
وفي مقابل ذلك كله بيّن الإسلام للنوع البشري أنه ليس من الذلة والمهانة والابتذال في درجةٍ يتساوى فيها مع الحيوان والجماد وسائر المخلوقات، فقال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70)، وقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} (الحج: 65)، وقال سبحانه: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} (الجاثية: 13) فقد رزق الله تعالى الإنسان قدرة جعله بها يسيطر على ما حوله من الكائنات وسخرها له، ومنعه من أن يذلّ نفسه لشيء