منها، وجعله آمنًا من كل المخاوف إزاء كل هذه الكائنات، بل أشعره بأنها طوع يده سخرها الله تعالى لمصلحته، وهذه خطوة تربوية ربانية ينشِّئ بها القرآن الكريم الإنسان على الشعور بالكرامة وعزّة النفس، ويشعره في الوقت ذاته بفضل الله -عز وجل، فإذا ركب شيئًا مما سخر الله له كالطائرة والسيارة والبهائم الحيوانية؛ ذكر الله تبارك وتعالى مسبّحًا شاكرًا بقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} (الزخرف: 13، 14).
ومما كرّم الله تعالى به الإنسان أن جعله قادرًا على التمييز بين الخير والشر، فألهم الله تعالى النفس الإنسانية فجورها وتقواها، وغرس في جبلّتها الاستعداد للخير والشر، وجعل عند الإنسان إرادة يستطيع بها أن يختار بين الطرق المودّية للخير والسعادة أو الطرق الموصلة إلى الشقاء، وبيَّن له أن هدفه في هذه الحياة أن يترفّع بنفسه عن سبل الشر وأن يزكّي نفسه، أن ينمّيها ويطهّرها ويسمو بها في وقت معًا نحو الفضيلة والاتصال بالله -عز وجل- قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس: 7 - 10).
وأخبر الله -تبارك وتعالى- الإنسان بما جُبل إليه من دنايا الأخلاق وقبيح الصفات، ثم أرشده إلى وسائل التزكية التي بها يزكو ويطهر فيصلح لمجاورة الرب -سبحانه وتعالى- في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، قال الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} (المعارج: 19 - 21)، فلما أخبر الإنسان بما جُبل عليه من دنايا الأخلاق وقبيح الصفات أرشده إلى وسائل التزكية فقال: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ