إن رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- هي رسالة المستقبل المديد ولا شك، وهي أيضًا رسالة الماضي البعيد، إنها في جوهرها وأصولها الاعتقادية والأخلاقية رسالة كل نبي أُرسل وكل كتاب أُنزل، فالأنبياء جميعًا جاءوا بالإسلام ونادوا بالتوحيد واجتناب الطاغوت، كما صرح بذلك رب العالمين -سبحانه وتعالى- حيث قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25)، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36).

لقد أعلن كل نبي بعثه الله تعالى قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه من المسلمين، قالها نوح وإبراهيم ومن بعدهم من الأنبياء والمرسلين، قال الله تعالى حكاية عن نوح -عليه السلام-: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (النمل: 91)، وقال إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} (البقرة: 128)، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِي إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (البقرة: 132)، ودعا موسى ربه قائلًا: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (يوسف: 101)، وقال موسى -عليه السلام- لقومه: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْم إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (يونس: 84)، ولما آمن السحرة برب العالمين وهددهم فرعون بالقتل والتعذيب قالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} (الأعراف: 126) وبعث سليمان بن داود -عليهما السلام- إلى بلقيس ملكة سبأ يدعوها إلى الإسلام، قالت: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (النمل: 30، 31)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أمره ربه أن يقول: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِين}.

فرسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- في جوهرها هي رسالة كل نبي جاء من عند الله منذ عهد نوح إلى محمد -صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015