أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى: 13) فهي رسالة كل الزمن، وهي أيضًا الرسالة الشاملة التي تُخاطب كل الأمم وكل الأجناس وكل الشعوب وكل الطبقات، إنها ليست رسالة لشعبٍ خاص يزعم أنه وحده شعب الله المختار وأن الناس جميعًا يجب أن يخضعوا له، وليست رسالة لإقليم معين يجب أن تدين له كل أقاليم الأرض وتُجبى إليه ثمراتها وأرزاقها، وليست رسالة لطبقة معينة مهمّتها أن تسخّر الطبقات الكبرى لخدمة مصالحها أو اتباع أهوائها أو السير في ركابها؛ سواء أكانت هذه الطبقة المسيطرة من الأقوياء أم الضعفاء، من السادة أم من العبيد، من الأغنياء أم من الفقراء والصعاليك، إنها رسالتهم جميعًا، وليست لمصلحة طائفة منهم دون سواها، وليس فهمها ولا تفسيرها ولا الدعوة إليها حكرًا على طبقة خاصة، كما قد يتوهّم كثيرٌ من الناس، إنها هداية رب الناس لكل الناس، ورحمة الله لكل عباد الله، كما قال الله تعالى في الآيات التي نبَّهنا على مكيتها، وأنها من أول ما نزل على رسول الله، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان: 1)، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107).
فإذا قال قائل: ولماذا كانت رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- هي خاتمة الرسالات وشريعته هي خاتمة الشرائع؟
فالجواب: نقول وبالله -تبارك وتعالى- التوفيق: إذا قيل لماذا كانت الشريعة الإسلامية خاتمة الشرائع، أما كان من الأفضل والأنفع استمرار تنزّل الشرائع الإلهية وإبقاء باب الرسالات الإلهية مفتوحة، فالجواب: لا، وألف لا؛ لأن تنزّل الشرائع ليس من قبيل العبث واللهو، وإنما هو لسدّ نقص في تشريع سابق أو لإكماله بتشريع لاحق مناسب لمستوى البشرية. وحيث إن الشريعة الإسلامية