اصول الدعوه (صفحة 428)

{وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} ، وقال تعالى عن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} 1، وجه الدلالة بهذه الآية والتي قبلها وغيرها مثلها، أنَّ الرسل الكرام لو طلبوا مالًا أو أجرًا على دعوتهم لتعلَّق أهل الباطل بذلك وجعلوه شبهة يثيرونها؛ ليصدوا الناس عن الدعوة والدعاة فيقولون: إنَّ هؤلاء طلاب مال....

ثانيًا: قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} 2، وجه الدلالة أنَّ الله تعالى أبعد رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- عن تعلم الكتابة والقراءة دفعًا لما قد يتشبَّث به المبطلون، فيدَّعون أنَّ ما جاء به تعلمه من كتبٍ قديمة قرأها واستنسخها، بل يمكن القول أنَّ الداعي يترك بعض ما فيه فائدة لدفع ضرر الشبهة الباطلة؛ لأن تعلم القراءة والكتابة فيهما نفع، ولكن دفع ضرر الشبهة الباطلة أكثر نفعًا، فقُدِّم الدفع على هذا النفع.

ثالثًا: قال تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} 3، وجه الدلالة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بلغ بالوحي إلّا بعد بلوغه الأربعين من عمره المبارك؛ ليكون ذلك أدفع للشبهة وأدحض لقول أهل الباطل، فقد لبث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه المدة الطويلة وخبروه وعرفوا سيرته الطيبة وأخلاقه القويمة وأمانته وصدقه، فلا يعقل أن يكذِب على الله بعد هذا العمر الطويل فيدعي الرسالة، وإذا كان الأمر كذلك وإن صدقه ظاهر، فادّعاء الكفرة أنه ساحر أو مجنون أو كاذب ادعاء باطل وشبهة مدحوضة.

ويمكن هنا أن نقول ما قلناه من أنَّ دفع الشبهة مقدَّم على جلب بعض النفع، ذلك أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مضى أكثر عمره حتى بلغ بالرسالة، ولا شكَّ أن بعثه قبل الأربيعن كان يمكن أن يكون فيها مزيد في الدعوة إلى الله، ولكن شاءت حكمة الله ألَّا يجعل بعثته إلّا بعد بلوغه الأربعين من عمره المبارك الميمون، وإن فات بعض النفع والخير لتأخُّر بعثته؛ ليدفع الشبهة ويدحض ادعاءات أهل الباطل كما هو واضح من سياق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015