الآية الكريمة. وهكذا يجب على الداعي الفقيه أن يترك بعض ما فيه فائدة ونفع ليدفع شبهات أهل البطل وما يترتَّب عليه من ضرر، وسبب ذلك كله أنَّ الشبهة إذا أثيرت بين الناس وشاعت فلا بُدَّ أن تترك أثرًا في النفوس، لا سيما الضعيفة والجاهلة والمتربصة، ويصعب عند ذاك مكافحتها والقضاء عليها إلّا بجهد كبير، فكل ما يمنع حدوث الشبهات أو إعطاءها ما تستنتد إليه مطلوب من الداعي ملاحظته واعتباره وأخذه، وإنْ فوِّت عليه بعض الفوائد؛ لأن القاعدة تقول: "درء المفاسد أولى من جلب المنافع"، ويدفع أعظم الضررين بتحمُّل أقلهما.
رأبعا: وقد قال تعالى عن رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} ، فمنع الله تعالى رسوله من تعلُّم الشعر وإنشائه حتى لا يكون ذلك وسيلة بيد أهل الباطل يبنون عليها شبهاتهم الباطلة.
669- والواقع أنَّ الدعاة إلى الله محتاجون أكثر من غيرهم إلى الابتعاد عن كثير من المباح، الذي قد يتشبَّث به أهل الباطل ويجعلونه مثارًا لشبهاتهم وللصد عن سبيل الله، ولكن يجب التنبه لما يجب توقيه دفعًا للشبهة، وما يجب مباشرته؛ لأنه من الدعوة، وإنْ ظنَّ أنه من الشبهة، وهذا موضع دقيق يكثر فيه الخطأ، ويحتاج إلى تفصيل، يكفينا منه هنا أن نقول: يسع الداعي أن يترك ما يخص نفسه وحظوظه المباحة دفعًا هنا للشبهة، وقد يجب أن يندب هذا الترك، ولا يسع الداعي أن يترك ما يخص صميم الدعوة، أو ما يتصل بها اتصالًا مباشرًا، أو يتعلق بنهجها وأسلوبها، فلا يجوز مثلًا ترك دعوة الأمير والدخول عليه لهذا الغرض بحُجَّة دفع شبهة تقوُّل الناس أنه من بطانة الأمير أو أنه يداهن الأمير.