بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقير، فكلهم أهلٌ لأن يدعوهم، ومطالب بأن يدعوهم، فمن استجاب منهم له قَبِلَه وصار من أتباعه، ولا يمكنه أبدًا أن يطردهم من مجلسه بحجة أنَّهم فقراء ضعفاء، وأن الأشراف يأنفون منهم من حضور مجلس يضمهم، كما لا يمكن أن يقول لهم: ليس لكم عند الله ثواب على أعمالكم، وقد آمنوا برسالة ربهم، فالله أعلم بما في نفوسهم.
والواقع أنَّ أهل الباطل -لا سيما الملأ منهم- يضيقون ذرعًا بالفقراء والضعفاء، ويأنفون أن يكونوا مثلهم أتباعًا للدعاة إلى الله، ولذلك فهم يطلبون إبعادهم من مجلسهم، وكذلك فعل أشراف قريش، طلبوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يطردهم من مجلسه، فأنزل الله -جلَّ جلاله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} ، فلا يجوز اتباع أصحاب الأهواء والغافلة قلوبهم عن ذكر الله فيما يقترحون ويطلبونه من باطل، ومنه إبعاد المؤمنين الصادقين لكونهم من الفقراء المستضعفين.
667- هذه بعض شبهات أهل الباطل التي ذكرها الله تعالى في قصص الأنبياء، في القرآن العظيم، ويجمعها جامع واحد هو الطعن بالداعي والدعوة، وتحريض الدهماء والعامَّة على مخاصمة الدعوة؛ ليخلوا الجوَّ للملأ الكافر الضَّالِّ، فيبقوا على باطلهم وتسلطهم على رقاب الخلق.
ابتعاد الداعي عن الشبهات:
668- وإذا كان أهل الباطل يثيرون الشبهات ويفترون الأكاذيب في وجه الدعوة وضد الداعي، فعلى الداعي أن يبتعد عن موضع الشبهات حتى لا يتلعق المبطلون بها، ويتخذونها تكأة لافترائهم. وقد دلَّ القرآن الكريم على ضرورة الابتعاد عمَّا قد يتشبث به أهل الباطل في إثارتهم الشبهات، ومن هذه الدلالات القرآنية:
أولًا: كان رسل الله جميع يقولون لأقوامهم: لا نريد منكم على دعوتنا مالًا ولا أجرًا؛ لأنَّ أجرنا على الله وحده، قال تعالى عن نوح -عليه السلام: