الباطل يحتجون بكثرة الأموال والأولاد والأنصار على أحقيتهم بكل دعوة إلى الإصلاح، وأنَّهم لهذا أهل للفوز من أي عذاب، فبَيِّنَ لهم القرآن العظيم أنَّ الله يبسط الرزق لمن يشاء، ويضيقه لحكمة بالغة، وأنَّ الأموال والأولاد لا تقرِّب عند الله، وإنما الذي يقرِّب هو العمل الصالح.
666- خامسًا: أتباع الداعي أناس مغمورون
ومن شبهاتهم حول الدعوة أنَّ أتباع الداعي إلى الله أناس مغمورون، فقراء جهال، أصحاب حرف خسيسة، قصار نظر ورأي، وأنَّ الدعاة وأتباعهم لا يستحقون إرشاد الناس إلى الخير، ولا قيادتهم إلى الهدى، ولهذا كله فإنَّ "الملأ" هم وحدهم المستحقون لقيادة الناس إلى الخير، ولا يمكن أن يكونوا أتباعًا للداعي إلى الله؛ لأنهم أهل نظر ورأي، خلاف أولئك الفقراء الذين اتبعوا الداعي بلا بينة وبرهان، قال تعالى عن قوم نوح: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} ، فيجيبهم نوح -عليه السلام- بما قصَّه الله علينا: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ، وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ، وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ، وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} ، يبيّن لهم نوح -عليه السلام- أنه على بينة من ربه، أي: على يقين وأمر واضح جلي ونبوة صادقة،
وإذا كان ذلك قد خفي عليكم ولم تهتدوا إليه، وبادرتم إلى التكذيب، فكيف نكرهكم على قبول الدعوة، والشأن في قبولها الاقتناع والقبول الاختياري؛ لأنَّ الإكراه في الدين ممنوع، وأمَّا بشأن أتباع نوح -عليه السلام- وكونهم من الفقراء والضعفاء، فيقول نوح -عليه السلام: بأنه رسول الله يدعو الناس إلى عبادة الله وحده، لا فرق في دعوته