590- ونسأل هنا: لماذا كان المدعو يؤتى ويدعى ولا يأتي؟ والجواب على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: إنَّ وظيفة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- التبليغ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} ، وقال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ، وهذا التبليغ قد يستلزم نقلة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى مكان مَنْ يراد تبليغه؛ لاحتمال عدم وصول خبر الدعوة إليه، أو أنها وصلته بصورة غير صحيحة، أو وصلته بصورة صحيحة ولكن لم ينهض فيأتي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليسمع منه، فلأجل هذه الاحتمالات كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأتي إلى أماكن الناس لتبليغيهم الدعوة إلى الله.
الوجه الثاني: شفقته -صلى الله عليه وسلم- على عباد الله، وحرصه على هدايتهم وتخليصهم من الكفر، كل ذلك كان يحمله على الذهاب إليهم في أماكنهم ومنازلهم، وتبلغهم الدعوة إلى الله.
الوجه الثالث: إن البعيد عن الإسلام قلبه مريض، ومرضى القلوب لا يعرفون مرضهم ولا يحسون به، فلا يشعرون بالحاجة إلى علاجه، فلا بُدَّ من إخبارهم بمرضهم من قِبَل الرسل الكرام، ولا ينتظرون مجيئهم إليهم ليخبروهم، بل يذهبون إليهم ويخبرونهم بالمرض والعلاج؛ لأن من أعراض مرضهم إعراضهم عن الدعوة والمجيء إلى صاحبها.
591- وعلى الداعي المسلم أن يقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم، فينتقل إلى الناس في أماكنهم ومجالسهم وقراهم، ويبلغهم الإسلام ويدعوهم إلى الله تعالى، ويا حبذا لو توزَّع الدعاة إلى القرى والمحلات، وتفرَّغ كل واحد منهم إلى جهة، وفي هذا المعنى يقول الإمام الغزالي: "يتكفَّل كل عالم بإقليم أو بلدة أو محلة أو مسجد أو مشهد، فيعلِّم أهله دينهم، وتمييز ما يضرهم عمَّا ينفهم، وما يشقيهم عمَّا يسعدهم، ولا ينبغي أن يصبر إلى أن يسأل عنه، بل ينبغي أن يتصدَّى إلى دعوة الناس إلى نفسه، فإنهم ورثة الأنبياء، والأنبياء ما تركوا الناس على جهلهم، بل كانوا ينادونهم في مجامعهم، ويدورون على أبواب دورهم في الابتداء، ويطلبون واحدًا واحدًا فيرشدونهم، وهذا فرض عين على العلماء كافَّة، وعلى السلاطين كافَّة أن يرتِّبوا في كل قرية وفي كل محلة فقيهًا متدينًا يعلم