رجال الإسلام، وليست مقصورة على فئة منهم، أمَّا الأمر الثاني الذي يسببه حصول هذا اللبس، وهو معنى الفرض الكفائي، فالمقصود به أنَّه إذا قام به البعض سقط التكليف عن البعض الآخر، وإن كان واجبًا على الكل، قال الرازي: "ثم قالوا -أي أصحاب القول الأول القائلين بالوجوب على الكل: وإن كلمة "من" للتبيين وليست للتبعيض: إنَّ ذلك وإن كان واجبًا على الكل إلّا أنه متى قام قوم سقط التكليف عن الباقين، ونظيره قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} ، وقوله: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ، فالأمر عام، ثم إذا قامت به طائفة وقعت الكفاية وزال التكليف عن الباقين1، وقال الجصاص وهو يتكلم عن تفسير الآية: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ... } : حوت هذه الآية معنيين، أحدهما: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآخر: أنَّه فرض على الكفاية ليس بفرض على كل واحد في نفسه إذا قام به غيره"2، فقوله: ليس بفرض على كل واحد في نفسه إذا قام به غيره، يبيِّن المقصود من الفرض الكفائي وهو سقوطه إذا قام به الغير، خلافًا للفرض العيني الذي لا يسقط إلّا بالقيام به من كل فرد، وعلى هذا فالدعوة إلى الخير وأعلاها الدعوة إلى الله، واجبة على كل مسلم بقدر استطاعته؛ لأنَّ هذه الدعوة من صفات المؤمنين كما بينَّا؛ ولأن الحديث الشريف أمر كل مسلم ومسلمة بإزالة المنكر حسب استطاعته، فإذا حصل المقصود بفرد أو أفراد لم يطالب الآخرون بإعادة المنكر لإزالته، ولا يؤاخذون لأنَّهم لم يزيلوه، والشأن في المسلم المبادرة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون انتظار غيره، فقد لا يقوم به الغير فيقع في الإثم.
والمسلم يدعو إلى الله باعتباره مسلمًا مؤمنًا بالله ورسوله، وقد ذكرنا قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3، فلا بُدَّ للمسلم أن يدعوا إلى الله، ولكن لو قدِّر أنه لم يدع شخصًا معينًا إلى الله، أو لم يدع في وقت وقام بالدعوة مسلم آخر، فإنَّ الداعي يؤجر دون الأول، ولكن لو ترك المسلم الدعوة إلى الله تركًا دائمًا مستمرًّا متعمدًا، فإنَّه لا ينضوي تحت مفهوم قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} ؛ لأن اتباع