فإذا تخلَّف عن الدعوة دلَّ تخلفه هذا على وجود نقص أو خلل في إيمانه، ويجب تداركه بالقيام بهذا الواجب، واجب الدعوة إلى الله. قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يقول الله تعالى إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يخبر الناس أنَّ هذه سبيله، أي: طريقته ومسلكه وسنته، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ويقينٍ وبرهان، هو وكل من اتَّبعه يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي"1، وفي الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري عن ابن عباسٍ أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فليبلغ العلم الشاهد الغائب "2، ويدخل في معنى الشاهد كل مسلم علم من أمر الإسلام شيئًا.
513- والدعوة إلى الله وهي واجبٌ على كل مسلم ومسلمة كما قلنا، قد تؤدَّى بصورة فردية، وقد تؤدَّى بصروة جماعية، وإذا أردنا الدقة بالتعبير قلنا: إنَّ هذا الواجب يؤدَّى على نحوين: الأول: نحو فردي، بأن يقوم به المسلم بصفته فردًا مسلمًا، والثاني: يؤدي هذا الواجب أو جانبًا منه بصفته فردًا في جماعة تدعوا إلى الله تعالى.
يدل على هذا كله قول الله -تبارك وتعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 2، قال الامام ابن كثير في تفسير هذه الآية: "والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمَّة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". والواقع أنَّ تجمُّع الدعاة للقيام بواجب الدعوة بصورة جماعية، يكون ضروريًّا كلما كانت مهمة الدعوة جسيمة، كما لو أريد نشر الدعوة إلى الله في المجتمعات الوثنية الجاهلية التي عشعش فيها الشيطان وبيِّضَ، وصدَّ أهلها عن سبيل الله، وأركسهم في حمأة الشرك كما في الأقطار الوثنية في إفريقيا ونحوها، فإنَّ مثل هذه الأقطار تحتاج إلى جهود كبيرة جدًّا ومنظمة لنشر الدعوة إلى الله، وتعليمهم أمور الإسلام، مما لا يقوى عليه جهد فرد ولا جهود مبعثرة لبعض الأفراد، ويؤيِّد هذه التبشير بالإسلام على شكل