الآثمة الخبيثة، ومثل هذا يقال عن قطاع الطرق الذين يتربصون بالمارَّة ويهاجمونهم ويسلبونهم أموالهم وأرواحهم. ثم يقال: إن العقوبة يجب أن يكون فيها قدر كافٍ من الرَّدع والزجر، ولا شكَّ أن قطع يد السارق أو المحارب فيه هذا المقدار، أمَّا غيرهما من العقوبات الوضعية كالحبس والغرامات فلا تملك هذا القدر من الردع، ودليل ذلك الواقع، فإن جرائم السرقة بازدياد ولم تقللها عقوبة الحبس، بل إنَّ السجن صار نزلًا لأصحاب السوابق يتردَّدون إليه ويعتبرونه مأوى أمينًا لهم، بل ومحلًّا للقائهم وتبادل خبراتهم في عالم السرقة والإجرام.
498- أمَّا قولهم: إنَّ عقوبة الردة بقتل المرتدِّ تدخل في حرية العقيدة ومصادرة لها، وإكراه للإنسان على اعتقاد ما لا يريد، فهذا القول مأخذه الجهل في طبيعة هذه العقوبة، ومعنى الردة، ومعنى الإكراه على تبديل الدِّين، فالردَّة كما قلنا: الرجوع عن الإسلام، أي أنَّ مسلمًا يرجع عن إسلامه، فنحن إذن إزاء مسلم ارتكب جرمًا معينًا يسمَّى "الردة"، ولسنا أمام رجل يهودي أو نصراني نكرِهُه على تبديل عقيدته، ومبدأ لا إكراه في الدِّين مقرَّر في الشريعة الإسلامية، وفي نص القرآن الكريم، ولا يجوز المساس به، بدليلٍ واضحٍ أنَّ الإسلام شرع الجزية، والجزية إقرار لغير المسلم على دينه، فلو كان هناك إكراه على تبديل عقيدة غير المسلم وتحويله بالجبر عن عقيدته لما شرعت الجزية.
أمَّا سبب عقوبة المرتد وجعلها القتل فيرجع إلى أمرين خطيرتين: الأول: إنَّ المسلم بردته أخل بالتزامه؛ لأن المسلم بإسلامه يكون قد التزم أحكام الإسلام وعقيدته، فإذا ارتدَّ كان ذلك منه إخلالًا خطيرًا في أصل التزامه، ومَنْ يخل بالتزامه عمدًا يعاقب، وقد تبلغ عقوبته الإعدام، ألا يرى أنَّ من تعاقد مع الدولة لتوريد الطعام لإفراد الجيش ثم أخلَّ بالتزامه عمدًا في حالة احتياج الجيش للأرزاق أنَّ جزاءه قد يصل إلى الإعدام؟ الثاني: إنَّ المرتد مع إخلاله بالتزامه يقوم بجريمة أخرى هي الاستهزاء بدين الدولة والاستخفاف بعقيدة سكانها المسلمين، وتجريء لغيره من المنافقين ليظهروا نفاقهم، وتشكيك لضعاف العقيدة في عقيدتهم، وهذه كلها جرائم خطيرة يستحق معها المرتد استئصال روحه، وتخليص الناس من شره، وإنما قلنا: إنَّ المرتدَّ من يرتكب هذه الأمور؛ لأنه لا يعرف ارتداده إلّا بالتصريح، وإلَّا لو أخفى ردَّته لما عرف. ومع