اصول الدعوه (صفحة 294)

الذي أهان نفسه ولم يكرمها، وعرَّضها للإهدار ولم يصنها، فإنَّ الزاني الذي أباح لنفسه أن يلغ في إناء غيره لم يعد ينفعه وعظ وتوبيخ، وإنما يحتاج إلى تذكير بالسوط وتحسيسه بالألم الجسدي لا المعنوي، وأمَّا رجمه إن كان محصنًا فلأنه لم يعد صالحًا للعيش في المجتمع الإسلامي الطاهر؛ لأنه ولغ في إناء الغير وعنده إناء يكفيه. وأمَّا الجلد في القذف فإنه السبيل لتبرئة المتهمة بالزنى، ورفع الشكوك عنها؛ إذ لا سبيل إلى ذلك إلّا بإظهار كذب القاذف بمعاقبته، وسِرُّ المسألة أنَّ الإسلام يُعنَى بنظافة المجتمع وطهارته وسلامة الأعراض والأخلاق، فإذا كانت هذه الأمور مطلوبة فوسائلها مطلوبة، وهذا ما يقرره الإسلام، وإذا كانت هذه الأمور: من العفَّة وسلامة العرض والخلق وطهارة المجتمع غير مرغوبة فوسائلها غير مرغوبة، وهذا ما يقرره ضمنًا المعترضون على العقوبات الشرعية، فالخلاف إذن في المحافظة على هذه الأغراض، الإسلام يقول: لا بُدَّ من المحافظة عليها، ومن ثَمَّ أوجب التشدد على من يريد تلويث المجتمع وتفويت هذه الأغراض المهمة الشريفة عليه.

496- أمَّا ادعاؤهم بأن هذه العقوبات تتضمَّن التدخل في الحرية الشخصية كما في الزنى وشرب الخمر فمردود؛ لأنَّ الحرية الشخصية لا يجوز أن تؤدِّي الإضرار بالمجتمع، فالحرية الشخصية تقف حيث تكون أداة ضرر وهدم في المجتمع، ولا يمكن لمنصف أن يقول: إنَّ زنى الزاني نفع للمجتمع، فأضراره أوضح من أن نتكلم عنها في هذا المقام. أمَّا بالنسبة لشرب الخمر، فإنَّ عقل الإنسان جوهرة ثمنية لا يجوز تعطيلها اختيارًا، فيكفي الإنسان تعطيل عقله اضطرارًا في النوم، فضلًا عمَّا في شرب الخمر من تسهيل سبل الإجرام للسكران، كما هو واضح ومعروف، والدولة مسئولة عن منع الإجرام في إقليمها وسد سبله.

497- أما ادعاؤهم بقسوة بعض العقوبات لما فيها من بتر وقطع بعض الأعضاء، فإنهم قد فاتهم مدى ترويع السارق وقاطع الطريق للآمنين، كان عليهم أن يتصوروا فعل السارق وهو يسير في جنح الظلام على رءوس أقدامه، فينقب الجدار ويكسر القفل، ويدخل على الآمنين في بيوتهم من نساء وأطفال ورجال، وبيده السلاح يزهق روح من يقاومه، فيأخذ المتاع من البيت ويخرج، وربما يستيقظ أهل الدار فيحصل القتل أو الفزع والهلع، فهم لو تصوروا فظاعة جرم السارق لما أسِفوا على قطع يده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015