اصول الدعوه (صفحة 296)

هذا فقد قلنا: إنه يمهل ثلاثة أيام لإعطائه فرصة للرجوع عن ردته، وهذا الإمهال واجب عند كثير من الفقهاء، فهل يمكن بعد هذا أن يقال: عقوبة الرِّدَّة قاسية، أو أنَّ فيها إكراهًا على تبديل العقيدة، أو أنَّ فيها تدخلًا في حرية العقيدة؟

499- وأمَّا قولهم: إنَّ العقوبة في جريمة القتل، وهي القصاص، اعتبرات حقًّا لأولياء القتيل لا للمجتمع، مع أن القتل يهم المجتمع، ويعتَبَر اعتداءً عليه، فيكون العقاب حقه لا حق أولياء القتيل، فهذا القول هزيل وسطحي، فأولًا: إنَّ للمجتمع حقه في هذه العقوبة، ولهذا إذا عفا أولياء القتيل عن القاتل جاز للقاضي أن يحكم عليه بعقوبة تعزيرية بالسجن أو بالضرب أو بهما، وفي هذا يقول ابن فرحون المالكي: "إذا عفي عن القاتل العمد على الدية فإنَّ على القاتل الدية، ويستحب له الكفَّارة، ويضرب مائة ويحبس سنة"1؛ لأنَّ حق أولياء القتيل في القصاص هو الغالب، أي: أغلب من حق المجتمع فيه، ومن ثَمَّ كان لهم العفو عنه، كما كان لهم طلبه، وإذا طلبوه لم يسع القاضي أن يعفو عنه، بل ولا لرئيس الدولة أن يعفو عن القاتل ما دام أولياء القتيل طلبوا القصاص؛ لأن القصاص من حقهم أو الغالب فيه حقهم، فلا يمكن لأحد أن يتصرَّف فيه بغير رضاهم، أمَّا في القوانين الوضعية فالنظرة تختلف؛ لأنَّ هذه القوانين تجعل عقوبة القاتل من حق المجتمع لا من حق أهل القتيل، وبالتالي فلا يترتب على عفوهم عنه إسقاط العقوبة، كما أن للمجتمع ممثلًا برئيس الدولة أو غيره أن يعفو عن القاتل، أو يبدِّل عقوبة الإعدام بغيرها. والنظرة الفاحصة في جريمة القتل العمد تبيِّن أن ضرر هذه الجريمة يقع أولًا وبصورة مباشرة على المجني عليه وأهله، فهم الذي اكتووا بنار هذه الجريمة ولحقهم الأذى والضرر المباشر بفقدهم عزيزهم، وأن ضررهم هذا والمهم وأذاهم أشد وأكثر بكثير من تضرر المجتمع وأذاه وألمه، فمن الطبيعي والعدل أن يكون حقهم في القصاص من الجاني أغلب من حق المجتمع، ثم إنَّ في تمكينهم من القصاص حسمًا للجريمة وإطفاءً لنار الغضب وطلب الثأر في نفوسهم، وفي الحليولة بينهم وبين ذلك إبقاءً لجذور الجريمة، فقد يندفع أهل القتيل لقتل الجاني بعد حبسه، كما يحدث هذا كثيرًا، ويقال أيضًا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015