قتل الجاسوس المسلم الذي أجازه مالك وبعض الحنابلة فقد منعه الشافعي. وأبو حنيفة -رحمه الله تعالى- يجوّز التعزير بالقتل في مواضع، منها: فيما تكرَّر من الجرائم إذا كان جنسه يوجب القتل، كما يقتل من تكرَّر منه اللواط أو اغتيال النفوس لأخذ المال.
ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بقتله جاز قتله، مثل المفرق لجماعة المسلمين، ويدل على هذا ما جاء في الحديث الشريف: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرِّق جماعتكم فاقتلوه"، وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمّن لم ينته عن شرب الخمر، فقال: "من لم ينته عنها فاقتلوه"، وهذا أيضًا يدل على جواز التعزير بالقتل1.
اعتراضات ودفعها:
494- اعترض أو يعترض البعض على نظام الجريمة والعقوبة في الشريعة الإسلامية باعتراضات يظنها مقبولة، ويخلص منها إلى أنَّ العقوبات الشرعية لا يمكن تطبيقها في الوقت الحاضر، أو لا يمكن تطبيق أكثر عقوبات الحدود على الأقل.
ويقوم هذا الاعتراض على أن عقوبات الحدود تتضمَّن إهدار آدمية الشخص بجلده في الزنى والقذف وشرب الخمر، والتدخل في الحرية الشخصية كما في الزنى وشرب الخمر، وقطع الأعضاء في عقوبة السرقة وقطع الطريق، والرجم في الزنى بالنسبة للمحصن، والتدخل في حرية العقيدة، وقتل المخالف كما في عقوبة الرِّدَّة، وإعطاء حق العقاب للفرد لا للمجتمع في عقوبة القصاص، وتحميل أقارب الجاني أو إشراكهم في دفع الدية خلافًا لمبدأ شخصية العقاب، وعدم مسئولية الإنسان عن جرم غيره.
والواقع أنَّ هذه الاعتراضات واهية، وما قامت عليه أوهى منها، وإن اغترَّ بها أصحابها وحسبوها حججًا وأدلة دامغة تبرر الاعتراضات بشيء من التوضيح والتفصيل.
495- قولهم: إنَّ الجلد فيه إهدار لآدمية الشخص مردود؛ لأن الجاني هو