فيه، فلا يجوز لأحد أن يشفع لمجرم لإسقاط العقاب عنه، جاء في الحديث الشريف: "من حالت شفاعته دون حَدٍّ من حدود الله فقد ضادَّ الله في أمره"، وهذه هي الشفاعة السيئة، وقد قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} 1، ولا شكَّ أنَّ من يشفع لإسقاط الحدِّ الشرعي عن المجرم يشفع شفاعة سيئة، وكما لا تجوز الشفاعة السيئة لإسقاط الحدود الشرعية، لا يجوز لولي الأمر أن يأخذ من المجرم مالًا لتعطيل الحدِّ الشرعي، سواء كان هذا المال لبيت المال أو لغيره؛ لأنه مال خبيث وسحت.
ابتناء العقوبات الشرعية على العدل والردع:
475- وجميع العقوبات الشرعية بنيت على أساسين كبيرين: الأول: العدل، والثاني: الردع، ويظهر الأساس الأول -العدل- في أنَّ العقوبة بقدر الجريمة، قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 2، فليس فيها زيادة على ما يستحقه المجرم، وإن ظنَّ بعض الجهلاء هذه الزيادة كما سنبينه بعد قليل، ويظهر الأساس الثاني -الردع- في مقدار الألم الذي تُحْدِثُه العقوبة في المجرم، وما يسببه له من فقدان حريته، أو بعض أعضائه، ولا شكَّ أن فقد هذه الأشياء يؤلمه ويخيفه، فيمتنع من الإجرام بدافعٍ من حب الذات، والخوف من المؤذي المؤلم إذا ما سوَّلت له نفسه الإجرام، وزيِّنَ له الشيطان مخالفة حدود الإسلام.
أنواع العقوبة:
476- العقوبات في الشريعة الإسلامية أربعة أنواع: الحدود، والقصاص، والدِّيَّات، والتعزير، وكنَّا قد أشرنا إليها من قبل عند كلامنا على تقسيم الجرائم، فلا بُدَّ من الكلام بإيجاز شديد عن كل عقوبة من هذه العقوبات؛ من حيث دليل مشروعيتها ومقدارها.