فيها أو تعطيلها؛ لأنَّها من شرع الله، وأنَّ تعطيلها يؤدي إلى سخط الله تعالى، كما يؤدي إلى فساد المجتمع واضطراب أحواله وسوء أوضاعه؛ لأن تعطيل حدود الله من المعاصي الكبيرة القبيحة، وظهور المعاصي من أسباب نقص الرزق، والخوف من العدو وضنك العيش، فإذا اقيمت الحدود الشرعية ظهرت طاعة الله ونقصت معصيته، وحصل الخير والنصر، فينبغي أن يكون ولاة الأمور أشدَّاء في إقامة حدود الله، لا تأخذهم رأفة في دِين الله، وأن يكون قصدهم من إقامتها رحمة الخلق بكفِّ الناس عن المنكرات، لا إشفاءً لغيظِ نفوسهم، ولا إرادة العلوِّ والفساد، فيكون أحدهم بمنزلة الوالد إذا أدَّب ولده، يؤدّبه رحمة به وإصلاحًا لحاله، مع أنَّه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى التأديب، وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه.
المساواة في إقامة العقوبات الشرعية وحرمة تعطيلها:
574- والعقوبات الشرعية تُقَام على جميع من قامت فيهم أسبابها وشروطها، لا فرق بين شريف ووضيع، وقويّ وضعيف، فإنَّ المحاباة في إنزال العقوبات الشرعية سبب لهلاك الأمَّة، جاء في الحديث الشريف أنَّ امرأة من بني مخزوم سرقت، فأهمَّ قومُها أمرَهَا، فكلَّموا فيها أسامة بن زيد ليكَلِّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأنها، فلمَّا فعل ذلك غضِبَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، وايم الله لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" 1، والواقع أنَّ المساواة بين الرعية في إقامة العقوبات خير رادعٍ للأقوياء الذين قد تسوّل لهم قوتهم الإجرام؛ لما يظنُّونَه من محاباة لهم بسبب قوتهم وعدم معاقبتهم؛ لأنهم إذا رأوا هذه المساوة الصارمة في العقاب خنسوا ولم تعد توسوس لهم أنفسهم بهذا الوسواس الباطل؛ لأن قوتهم -وقد رأوا حزم الدولة في معاقبتهم- لا تخلِّصُهم من العقاب؛ لأنَّ قوة الدولة أكبر من قوتهم، كما أنَّ الضعيف سيطمئنُّ؛ لأنَّ الدولة معه، فهو أقوى من أيّ فرد قوي، فلا يخشى اعتداءه.
ولمَّا كان المطلوب من ولي الأمر المسلم الحزم في إنزال العقاب والمساوة بين الرعية