ولكن مع هذا كله فقد تسوّل للبعض نفوسهم ارتكاب الجرائم، فكان لا بُدَّ من عقوبةٍ عاجلة توقعها الدولة الإسلامية عليهم زجرًا لهم من العودة إليها، وردعًا للآخرين الذين قد تسوّل لهم أنفسهم ارتكاب الجريمة، وفي هذا استقرار للمجتمع وإشاعة للطمأنينة فيه، كما أنَّ في إنزال العقاب بالمجرمين مصلحة لهم كما سنبيِّن.
هذا وإنَّ العقاب الدنيوي للمجرِم لا يمنع العقاب الأخروي ما لم يقترن به التوبة النصوح، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1، ومن تمام التوبة النصوح التحلُّل من حقِّ الغير إن كان إجرامه مسَّ هذا الحق، ويؤيد ما قلنا أيضًا الحديث الشريف: "إن السارق إذا تاب سبقته يده إلى الجنة، وإن لم يتب سبقته يده إلى النار" 2، فهذا السارق الذي قطعت يده تسبقه يده المقطوعة إلى الجنة إن تاب، وإلّا سبقته إلى النار.
تشريع العقاب من رحمة الله بعباده:
472- وتشريع العقاب الدنيوي في الشريعة الإسلامية من مظاهر رحمة الله بعباده؛ لأنه يزجر الإنسان عن ارتكاب الجريمة، فيتخلَّص من الإثم، وإذا وقع في الجريمة فإنَّ العقوبة في حقِّه بمنزلة الكيِّ بالنسبة للمريض المحتاج إليه، وبمنزلة قطع العضو المتآكل، فإنَّ بهذا القطع وذلك الكي مصلحة له وإبقاء لحياته، وإيقافًا للمرض من السراية وإهلاك الجسم كله، كما أنَّ في هذا العقاب للمجرم مصلحة مؤكَّدة للمجتمع، كما أشرنا من قبل؛ لما يترتَّب عليه من اطمئنان الناس على حياتهم وأموالهم وإخافة للمجرمين، وهذه المصلحة العامة يهون معها الضرر الذي يصيب المجرم بسبب ما جنت يداه.
الحزم في إقامة العقوبات الشرعية:
473- والعقوبات الشرعية واجبة التطبيق والتنفيد، لا يسع ولي الأمر التهاون