التعزير لا يصدر عن الهوى، وإنما يلاحظ جسامة الجريمة وظروفها ومقدار ضررها، وحال الجاني من كوْنه من ذوي المروءات، أو من ذوي السوابق والإجرام، وما يتمّ به انزجار الجاني وعدم عودته إلى مثل فعله في المستقبل1، ويجب التعزير على كل بالغ عاقلٍ إذا ارتكب شيئًا من جرائم التعزير، سواء كان ذكرًا أو أنثى، مسلمًا كان أو كافرًا، أمَّا الصبي العاقل فيعزَّر تأديبًا لا عقوبة2.
الفرع الثاني: العقوبة
تمهيد:
471- قلنا: إن الجزاء في الشريعة الإسلامية أخروي ودنيوي3، وإنَّ الأصل في الجزاء في الشريعة هو جزاء الآخرة، ولكنَّ مقتضيات الحياة وضرورة استقرار المجتمع وتنظيم علاقات الأفراد على نحوٍ واضحٍ، وضمان حقوقهم، كلّ ذلك دعا إلى أن يكون مع الجزاء الأخروي جزاء دنيوي، وهذا الجزاء هو العقوبة التي توقعها الدولة على من يرتكب محرَّمًا أو يترك واجبًا، أي: يرتكب جريمة، وبهذا العقاب تنزجر النفوس التي لم ينفعها الوعظ والتذكير، والحقيقة أنَّ الشريعة الإسلامية تعنى بإصلاح الفرد إصلاحًا جذريًّا عن طريق تربيته على معاني العقيدة الإسلامية، ومنها: مراقبته لله وخوفه منه، وأداء ما افترضه عليه من ضروب العبادات، وهذا كله سيجعل نفسه مطاوعة لفعل الخير، كارهة لفعل الشر، بعيدةً عن ارتكاب الجرائم، وفي هذا كله أكبر زاجر للنفوس، وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ الشريعة تهتم بطهارة المجتمع وإزالة مفاسده، ولهذا ألزمت أفراده بإزالة المنكر، ولا شكَّ أن المجتمع الطاهر العفيف سيساعد كثيرًا على منع الإجرام وقمع المجرمين، وسيقوّي جوانب الخير في النفوس، ويسد منافذ الشر التي تطلّ منها النفوس الضعيفة، وفي هذا ضمان أيضًا لتقوية النفوس وإعطائها مناعةً ضد الإجرام.