وقد استخرجت خمسا من هذه السنن في الفقرات السالفة، ويمكن التوسع في ذلك لمن شاء أن يتوسع، وليست تلك السنن قاصرة على الأقوام البائدة بل إنها من السنن التي لن تجد لها تبديلا، فيجب أن نحاول معرفة تحقيق بعض هذه السنن في كل ما ندرس من انهيار الدول، أو انتصارها أو نشوئها، أو ارتقائها.
*- البحث عن أثر إصلاح النفس البشرية وتربيتها في مجرى الحوادث التاريخية {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 8/ 53] ، وهذه سنة سادسة من سنن الله في التاريخ، وتطور المجتمعات.
*- البحث عن حكمة لله، وتدبيره في ضرب الظالمين بعضهم ببعض لإراحة المؤمنين من شرورهم: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 22/ 40] ، وهذه من سنن الله.
*- معرفة أن الغاية من القوة والغلبة، والتمكن في الأرض إقامة شرع الله، وتحقيق الصلاح ومحو الفساد وعلى هذا يجب أن تبنى الدولة المسلمة: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 22/ 41] .
*- يكتسب الناشئ من دروس التاريخ، بتطبيقه لسنن الله على ما يدرس من تظورات التاريخ وحوادثه، يكتسب موازين ربانية يزن بها منجزات كل دولة، وكل أمة يدرس تاريخها، فيتسنى له أن يضع كل شيء من هذه المنجزات في موضعه، وأن يعرف حقيقة كل شعب وقدره بعيدا عن التهور، ودون غمط أو تفخيم.
*- وبالجملة يجب "أن يكون تدريس التاريخ وسيلة لتثبيت العقيدة، وترسيخها بحيث يحس الطالب بأن هذا الكون الذي تتابعت فيه الأمم، والأحداث على هذا النسق المدهش، لا بد له من موجد مهيمن عليه قوي قادر جبار قاهر عليم حكيم رءوف رحيم منعم حليم، بحيث يكون تدريس التاريخ توضيحا طبيعيا لهذه الصفات"1.