وبقي الأمر كذلك حتى ظهر الإسلام، واستقر حكمه في يثرب مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان المسجد أول مدرسة جماعية منظمة عرفها العرب، لتعليم الكبار والصغار، ولتربية الرجال والنساء.
كان لهذه المدرسة في "ليلي" ينام فيه من يأوي إليه من الأرياف، أو من الفقراء "كأهل الصفة"، فيجمعون بين التعلم الديني والدنيوي، حتى إذا أتقنوا حرفة أو وجدوا عملا ذهبو يطلبون الرزق، وبقوا يترددون إلى مدرستهم في النهار لطلب العلم وأداء العبادة، وكانت الألعاب والتمارين الحربية تقام في ساحته أحيانا، كما فعل الأحباش ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليهم من حجرته، ويقول لهم: "دونكم يا بني أرفدة"، والسيدة عائشة تنظر إليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم1.
وبقي المسجد يؤدي وظيفتي العبادة والتربية الإسلامية، دون تمييز واضح بينهما حتى كان عهد عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، فنشأ في عصره إلى جانب المسجد أو بعض زواياه، كتاتيب للأطفال يتعلمون فيها.
وهنا بدأ بعض التنظيم لتعليم الأطفال، وكان يوم الجمعة يوم راحة أسبوعية استعدادا لصلاة الجمعة، فاقترح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يصرف الطلاب ظهر يوم الخميس ليستعدوا ليوم الجمعة، فكانت نظاما متبعا إلى يومنا هذا3، وعم رأيه الأمصار، وربما انتشر وذاع بشكل كيفي، دون قصد أو تعميم رسمي، لما كان يتمتع به من شخصية فذة محبوبة، وإيمان قوي جعله مسموع الكلمة.
وهكذا كان التعليم يقوم على جهود مؤسسات خاصة، يقوم عليها أشخاص يديرونها بجهود شخصية، وقد يتعاطى بعضهم أجرا زهيدا يقيم به أوده لانشغاله بالتعليم عن طلب الرزق.
فأصبح تعليم الأطفال مهنة حرة، ذات نظام "لا مركزي" يخضع لإشراف الدولة، ومراقبتها بين الحين والحين.
كان المسجد أو الغرف الملحقة به هو مكان هذه "الكتاتيب" في أول الأمر، وكان في المسجد حلقات علم بعضها يوازي مستوى "المرحلة الثانوية" في عصرنا هذا، وكانت الدولة تغدق العطايا لبعض العلماء القائمين على هذه الحلقات، وكانوا يدرسون كتبا معينة، في بعض العلوم، للمبتدئين في هذا العلم كالفقه والحديث، والتفسير، والنحو أحيانا.