تعاني الإنسانية اليوم من ضياع الطفولة: إما بسبب المبالغة في الإباحة والتدليل، وانعدام الضوابط في معاملة الأطفال، وأما بسبب الإفراط في الشهوات وانعدام ضوابط الغرائز، انعداما أضاع ملايين الأطفال غير الشرعيين، وإما بسبب الإفراط في ابتذال المرأة إفراطا جعلها تخالط الرجال في كل شيء، فتفقد أنوثتها ومكانتها الأولى في تربية الأطفال، ومن كل ذلك نشأ تفكك بنيان الأسرة، وضاعت الطفولة، كما ضاعت الأنوثة والرجولة جميعا، وأصبحت الإنسانية تعيش في بؤس وتيه وشقاء.
وكان للتربية الغربية الحديثة نصيب لا يستهان به من المسئولية عن هذا الضياع والبؤس والشقاء، لذلك لا يجد العاقل بدا من البحث عن بديل لها.
والإسلام يقدم لنا منهجا تربويا متكاملا، سنستقرئه من منابعه إلى أسسه، إلى أساليبه ووسائله، وقضاياه التي يطرحها على الإنسانية، إلى تاريخه وأراء أعلام المربين في إطاره؛ وسنعرض ذلك إن شاء الله عرضا علميا موضوعيا، مؤيدا بالبراهين والوقائع، راجين أن تجد الإنسانية في ذلك علاجا شافيا لمشكلاتها، وأن تكون الحكومات، والشعوب العربية والإسلامية هي السباقة للأخذ بهذا العلاج، لتقدم لنفسها أسباب النصر، والعزة والسعادة، وللإنسانية برهانا تربويا ناصعا، يدلها على طريق الخلاص، والله نسأل أن ينفع بهذه الدراسة.
ولكي يكون بحثنا علميا منهجيا، لا بد من إيضاح معاني الألفاظ، والمصطلحات الأساسية التي نستعملها؛ لأن التباس هذه المعاني يؤدي إلى الخطأ في فهم جميع ما يبنى عليها، والناس اليوم يختلفون في فهم أوسع الألفاظ شمولا كالدين، والتربية، والإسلام، والرب، والإله. وسنعتمد في ذلك على اللغة العربية، والقرآن الكريم؛ لأنه هو المصدر الأول الذي استقيت منه، وتستقي أسس التربية الإسلامية؛ ولأنه نزل بلسان عربي مبين، وسنبدأ بتعريف التربية في اللغة، ثم في عرف بعض علماء الإسلام.