الفن القصصي يعتمد في جوهره على السرد، والسرد فن من الفنون الأدبية الحديثة، ومؤلفو هذه الموسوعات اختاروا النمط السردي حين تأليفهم لها، فهُم بذلك وضعوا حقيقة نواة طيبة لنشأة هذا اللون من الأساليب، وهو الأسلوب السردي.

والآن سنعرض لبعض هذه الموسوعات عرضًا سريعًا؛ لمعرفة مدى الجهد الذي بذله أسلافنا من ناحية، ثم نتعرف على ما كان يتصف به هؤلاء العلماء من فكر وعلم وموهبة من جهة ثانية، ونتعلم أيضًا كيفية اختيار المنهج العلمي السديد حين نلجأ أو نتوجه إلى كتابة مثل هذه الموسوعات.

أولًا: كتاب (العقد الفريد)، نتحدث عنه كنموذج من نماذج هذه الموسوعات العلمية. مؤلفه الأديب الأريب أبو عمر شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي الأندلسي، وهو أحد علماء وأدباء الأندلس المشهورين.

ولد في قرطبة سنة مائتين وست وأربعين للهجرة، وكانت قرطبة آنذاك من أعظم المدن الأندلسية حضارة ونهضة علمية، وهي تشبه بغداد حاضرة الدولة العباسية في ذلك الوقت، مِن حيث النهضة العلمية، والحضارة والحركة التأليفية النشطة فيها.

نشأ ابن عبد ربه بين أحضان تلك الطبيعة الساحرة، فبعثت في نفسه حب الشعر فقرضه وبرع فيه، وظهر صداها في شعره، كما تتلمذ في تلك المدينة على طائفة من شيوخ عصره؛ كالخشني وابن وضاح، ويحيى بن الفقيه وجرياب المغني المشهور، وعاصر ابن عبد ربه ثلاثة من ملوك الأندلس المشهورين، ومدحهم بشعره ونال التكريم منهم؛ وهم: المنذر بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط، وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط، وعبد الرحمن الناصر، أشهر ملوك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015