وذكر طبقات الرواة، ويعد الجاحظ بكتابه هذا -وغيره من الكتب- رائدًا في ميدان دراسة علم البيان، وفلسفة اللغة العربية، وأستاذًا لمن جاء بعده كابن فارس، وابن جني، والسيوطي وغيرهم.
وقد أهدى الجاحظ كتابه ذاك إلى القاضي أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي وزير المأمون، وقيل: إنه ألف القسم الأول منه في الفترة التي توثقت فيها صلته بهذا القاضي، بعد سنة مائتين واثنتين وثلاثين، ونال به جائزة بلغت خمسة آلاف دينار، ثم أكمله بعد انتقاله إلى البصرة.
هذا رأي ذكره ياقوت في (معجم الأدباء)، والثابت أن كتاب (البيان والتبيين) تم تأليفه بعد كتاب (الحيوان)، يدل على ذلك قوله: "كانت العادة في كتاب (الحيوان) أن أجعل في كل مصحف من مصاحفه عشر ورقات من مقطعات الأعراب ونوادر الأشعار". وكتاب (البيان والتبيين) من أشهر كتب الأدب التي لا تخلو من الإشارة إليه، والاقتباس منه، والإشادة به كتب المعاصرين له، والذين من بعده حتى عصرنا هذا.
أما عن منهج الجاحظ في كتابه، وبيان قيمته؛ فرغم أن الجاحظ كان بارعًا في معالجة القضايا التي يطرقها، ويجيد الاستدلال ويحكم التعليل، إلا أن كتابه (البيان والتبيين) جاء متشعب الأفكار كتشعب ثقافته، ومتداخل الموضوعات كتداخلها في خاطره، إذ لم يلتزم الجاحظ منهجًا واحدًا واضحًا في كتابه، وإنما تغلب عليه سمة الاستطراد والانتقال من موضوع لآخر، دون أن يتم الأول، ثم يعود إليه مرة أخرى، وترتب على ذلك تكرار الموضوع الواحد في أكثر من موضع داخل الكتاب، وتكرار النصوص التي استشهد بها.